ثمّ إن جماعة كثيرة من المسلمين أرعبوا وزلزلوا لشائعة مقتل النبي في أُحدكما أسلفناإلى درجة أنهم تركوا ساحة المعركة ،وفروا بأنفسهم من الموت وحتّى أن بعضهم فكر في الردة عن الإسلام فكان قوله سبحانه: ( وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتاباً مؤجلاً ) وهو يكرر توبيخهم ،وتنبيههم إلى أن الموت بيد الله ،والفرار لا ينفع في الخلاص من الأجل الإلهي ،فإذا صحّ أن النبي قتل في المعركة ونال الشهادة لم يكن ذلك إلاّ تحقيقاً لسنة إلهية ،فلماذا خاف المسلمون وكفوا عن القتال ؟؟
ومن ناحية أخرى إن الفرار من المعركة لا يدفع الأجل كما أن مواصلة القتال والبقاء في المعركة لا يقرب هو الآخر أجلاً ،فالفرار من ميدان الجهاد حفاظاً على النفس لغو لا فائدة فيه .
وهناك بحث حول معنى الأجل ،وأن منه حتمياً ،ومنه معلقاً ،والفرق بين النوعين سنوافيك به في تفسير الآية الثانية من سورة الأنعام بإذن الله تعالى .
وبعد عرض هذه الحقائق يعقب سبحانه على ما قال بقوله: ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها * ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) أي أن ما عمله الإنسان لا يضيع أبداً ،فإن كان هدفه دنيوياً مادياً كما كان عليه بعض المقاتلين في «أُحد » فإنه سيحصل على ما يسعى إليه ويناله .
وأما إذا كان هدفه أسمى من ذلك ،وصب جهوده في سبيل الحصول على الحياة الخالدة والفضائل الإنسانية بلغ إلى هدفه حتماً وأوتي ثواب الآخرة الذي هو أعظم من كلّ ثواب وأسمى من كلّ نتيجة ،فلماذا إذن لا يصرف الإنسان جهوده ،ويوظف ما أوتي من طاقات معنوية ومادية في الطريق الثاني وهو الطريق الخالد السامي ؟
وتأكيداً لهذه الحقيقة قال سبحانه: مرة أخرى ( وسنجزي الشاكرين ) .
والجدير بالتأمل أن الفعل في هذه العبارة جاء في الآية السابقة ،بصيغة الغائب ( سيجزي ) وجاء هنا في صورة المتكلم «سنجزي » وهذا يفيد غاية التأكيد للوعد الإلهي بإعطاء الثواب لهم ،فهو تدرج من الوعد العادي إلى الوعد المؤكد ،فكأنّ الله يريد أن يقولوببساطةأنا ضامن لجزائهم وثوابهم .
ثمّ إنه جاء في تفسير «مجمع البيان » في ذيل هذه الآية عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال: إنه أصاب علياً ( عليه السلام ) يوم «أُحد » إحدى وستون جراحة ،وأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه ،فقالتا إنا لا نعالج منه مكاناً إلاّ انفتق مكان آخر ،وقد خفنا عليه ،فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسحه بيده ،ويقول: «إن رجلاً لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر » وكان القرح الذي يمسحه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلتئم ،وقال علي ( عليه السلام ): «الحمد الله إذ لم أفر ولم اُوَلِ الدبر » فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله تعالى: ( وسيجزي الله الشاكرين ) وقوله تعالى: ( وسنجزي الشاكرين ) .