إنَّ المؤمن يعرفمن خلال إيمانهأنَّ الموت لا يمثِّل النهاية المحتومة التي ينتهي إليها وجوده ،فيغرق في أمواج العدم الباردة التي تملأ كيانه بالصقيع ،حتّى يعيش الحسرة أمام الموت ،لأنَّه يفقد بذلك قوّة الحياة في نعيمها ولذتها ،ولكنَّه يمثِّل الجسر الذي يلتقي فيه الإنسان باللّه عندما يحشر إليه مع كلّ الخلائق ،فيجد عنده الأمن والطمأنينة عندما يقدّم إليه حسابه فيوفيه أجره خالصاً كاملاً غير منقوص ،فيدفعه ذلك إلى استقبال حالة الموت بروح هادئة مطمئنة تستعجل لقاء اللّه طلباً لما عنده ،وذلك هو الفوز العظيم ...
ماذا نستوحي من الآيتين ؟
وقد نحتاج إلى استيحاء هاتين الآيتين في واقع الجهاد الذي يخوضه المؤمنون الآن عندما يلتقون بالمشاعر السلبيّة الحزينة التي يثيرها المجتمع المنحرف الخاضع لأساليب الكفر ،فيواجهون التجربة الصعبة عند أوّل حالة جهاد يخوضونها ويفقدون فيها إخوانهم ،وتتحرّك التأوّهات والتمنيات لتثير أمام المؤمنين مشاكل عاطفية ونفسية ...فقد ينبغي لنافي هذا المجالأن نثير هذه الأجواء القرآنية بشكلٍ عميق تستيقظ فيه روحية الإيمان لتُحرّك المشاعر الإنسانية في الاتجاه الصحيح ،وتوجّهها إلى الوجهة المستقيمة ،وذلك في ضمن خطّة تربوية مستمرة تعمل لتفريغ وجدان المسلمين من السلبيات الفكرية والشعورية التي قد يلتقون بها في مجتمعاتهم ،فيفقدون من خلال ذلك أصالة الشخصية وعمقها وامتدادها ،لأنَّ مشكلة المسيرة الإسلامية في كثير من مظاهرها ،هي في أنَّ المسلمين يغفلون عن بعض مستلزمات الإيمان ،فيندمجون في تقاليد المجتمع وعاداته وتصوّراته ،ويتحوّلونعندئذٍإلى طاقاتٍ تتحرّك باسم الإسلام ،ولكن بمؤثرات غير إسلامية ،وتتراكم من خلال ذلك في واقعهم الأوضاع والأساليب غير الإسلامية ،وتفسح المجال للأفكار المنحرفة لتدخل في عمق الفكر والشعور بطريقة خفيّة ،فتتأثر بذلك خطواتهم لتنحرف إلى خطّ الكفر من حيث لا يشعرون ...