ثم قال تعالى:( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ) قالوا:إن الموت والقتل هنا أعم مما في الآية السابقة ، لأن كل من يموت ومن يقتل في سبيل الله ، وهي طريق الحق والخير أو في سبيل الشيطان ، وهي طريق الباطل والشر .فلا بد أن يحشر إلى الله تعالى دون غيره ؛ فهو الذي يحشرهم بعد الموت في نشأة أخرى ، وهو الذي يحاسبهم ويجازيهم .وههنا قدم ذكر الموت لأنه أعم من القتل وأكثر .
قال الأستاذ الإمام ، في معنى الحشر إلى الله تعالى:إنه ليس لله تعالى مكان يحصره فيحشر الناس ويساقون إليه ، ولكن الإنسان يغفل في هذه الدار عن الله فينسى هيبته وجلاله ، وينصرف عن استشعار عظمته وسلطانه ، لاشتغاله بدفع المكاره عن نفسه وجلب اللذات والرغائب لها .وأما ذلك اليوم الذي يحشر له الناس فلا اشتغال فيه بتقويم بنية ، ولا التمتع بلذة ، ولا مدافعة عدو ؛ ولا مقاومة مكروه ، ولا بتربية نفس ؛ ولا تنزيه حس ، وإنما يستقبل فيه كل أحد ما يلاقيه من الله تعالى جزاء على عمله لا يشغله عنه شيء ، فيكون بذلك راجعا عن كل شيء كان فيه إلى الله تعالى محشورا مع سائر الناس إليه لا يشغله عنه شيء ، قال:وإذا كان مصير كل من يموت أو يقتل إلى الله تعالى مهما كان سبب موته أو قتله ، ومهما طالت حياته ، فالاشتغال بذكر سبب هذا المصير ومبدأه لا يفيد ، وإنما الذي يفيد هو الاهتمام بذلك المستقبل والاشتغال بالاستعداد له ، وذلك دأب العقلاء من المؤمنين .