{وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ} إنزال القرآن{هُدًى لِّلنَّاسِ} الذين يريد الله لهم أن ينطلقوا في حياتهم في نور من الفكر الحق مما لا يملكون الوصول إليه بعقولهم لأنها تفقد الوسيلة إليه أو لأنها لا تستقيمدائماًفي إدراكه بالدقة والعمق ،فكانت الرسالات وسائل الهدى التي تعرّفهم حقائق الغيب وأسرار العقيدة ودقائق التشريع ،لتكون حياتهم صورة لما أراد الله لهم أن ينهجوه ويفهموه ويعتقدوه كما أراد لهم أن يعملوه ،فلا يضيعوا في متاهات الضلال التي يتخبطون فيها في دروب الضياع{وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ} الذي يمثل القاعدة الفكرية التي تبين الفواصل بين الحق والباطل والخير والشرّ من خلال الخطوط العامة والخطوط التفصيلية ،وذلك هو شأن الكتب الإلهية المنزلة على الرسل التي أنزلها الله ليعرف الناس الحق من الباطل وليأخذوا بهذا عن بيّنة ويبتعدوا عن ذاك عن بيّنة ،من دون لبس واشتباه .وهذا هو الخط العملي للمؤمنين بالله ،المنفتحين على رسالاته ،العاملين في سبيله ،السائرين على خطه ،المجاهدين من أجل الحصول على رضوانه والفوز بجنته .
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بآيَاتِ اللَّهِ} الدالة على توحيده وعلى الحجج القائمة على صدق رسله واستقامة شرائعه وعلى اليوم الآخر{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الدنيا والآخرة ،فقد يعذبهم الله بأموالهم وأولادهم وأوضاعهم العامة والخاصة وعلاقاتهم بالناس والحياة ،فيعيشون الحياة حزناً وألماً وتعباً وكآبة ويأساً ومرضاً يمنعهم من الأخذ بطيبات الحياةوهي بين أيديهمومن الحصول على مواقعهم الكبرىوهي في متناولهمكما قال تعالى:{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [ التوبة:85] ،وهناك في الآخرة العذاب الأكبر في نار جهنم التي يصلاها الأشقى الذي لا يموت فيها ولا يحيى{وَاللَّهُ عَزِيزٌ} بقدرته على كل شيء والتي لا يمتنع منها شيء ولا يبلغ مداها شيء ،ولا يغلبها شيء ،ولذلك كانت العزة لله جميعاً ،فهو الذي يعطيها لمن يشاء من عباده ويمنعها من يشاء{ذُو انتِقَامٍ} من غير انفعال في الذات أو عقدة في القلب أو تشفًّ لاستحالة ذلك منه ،لعلوّه عن كل الحوادث وعن كل صفات المخلوقين .
إن هذا الإحساس السلبي ينطلق بنا من رد الفعل عن الضرر الواقع من المعتدي ،ولكن انتقامه يتمثلفي الجانب العمليفي مجازاة المسيء بإساءته من خلال الحكمة في ذلك ،لأن ساحته أعز وأعلى من أن ينتفع أو يتضرر بشيء من أعمال عباده .