{وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ} في ما يتمثل فيهما من أسرار ودلائل الإبداع من خلال ما بث الله فيهما من الظواهر الكونية ،التي تتحرك بالنظام الكوني الذي يخضع له الإنسان وتتحرك من خلاله الحياة ،على أساس الحكمة التي تضع كل شيءٍ في موضعه ،وتحسب لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ من مفرداته حسابها في حركة الوجود ،بما يوحي للعقل المتأمِّل بأن وراء ذلك قدرةً حكيمة خالقة أعطت كل شيءٍ هدايته ،ومنحته سرّه{وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} كيف اختلفت الألسنة ،وكيف نشأت اللغة ،وما هو السرُّ في اختلاف اللغات ؟هل هي الحاجة إلى التعبير ؟وكيف اختلفت وسائل التعبير عنها ،هل هناك معلّم علّم هؤلاء غير ما علّم أولئك ،أو هناك أكثر من معلم تختلف ثقافتهم اللغويّة اللسانية ،ومن هو الذي علّمهم ؟هل هناك غير الله الذي ألهم هؤلاء غير ما ألهم أولئك ليكون ذلك سبيلاً للتنوّع الذي قد تختلف فيه الخصائص الذاتية فتتبعها الخصائص الحضارية ؟
ثم ،كيف اختلفت ألوانهم ،وهل السرّ يتعلّق بالأرض ،أو بالمناخ ؟وكيف تتفق الألوان في المكان الواحد والمناخ الواحد ؟قد يكون لبعض هذا دخل في هذا وذاك ،وقد تكون هناك خصائص ومؤثرات أخرى ،ولكن السبب في ذلك هو خالق الإنسان كله ،بأسوده وأبيضه وأحمره وأصفره ،وعربيّه وأعجميّه ،ليكون ذلك أساساً لاختلاف الطباع والأمزجة والخصائص الذاتية ،ليكون في اللقاء مع التنوع ما يغني التجارب الإنسانية ،ويحقق التعارف القائم على التفاعل والتجاذب والتمازج فيما بين الناس .ومهما كان الأمر ،فإن التفسير الوحيد الذي يوضح ذلك كله في السبب الأعمق الكامن خلف كل هذه الظواهر الإنسانية ،هو الإرادة الإلهية التي تعلقت بهذا التنوّع العجيب ،انطلاقاً من الحكمة التي أراد الله للحياة أن ترتكز عليها ،ليعرف الإنسان عظمة الخالق من خلال عظمة خلقه .
{إِنَّ فِي ذلِكَ لأَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ} الباحثين عن حقائق الكون في كل الظواهر الكونية والإنسانية التي تمثل وحدة النظام وتوازنه واستقراره .