{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ} وهذه هي الصورة الإنسانية الحميمة الرائعة ،التي تمثل النموذج الأمثل للمسؤولية التي يتحملها الجيل القديم بالنسبة إلى الجيل الجديد ،في علاقة الآباء بالأبناء ،فقد سبقوهم إلى التجربة في ما توحي به من المعرفة ،وإلى التأمّل في ما يوحي به من العلم ،ولذلك فقد كان من الطبيعيّ للجوّ العاطفي الحميم أن يعمدوا إلى اختصار المرحلة التي يحتاج الأبناء إلى أن يقطعوها في وقت طويل ،وإلى تقديم التجربة وتحريك المعرفة في حياتهم ،ليبدأوا بدايةً طيبةً من الموقع الثابت الصلب ،القائم على بدايات الآخرين ،لئلا يحتاجوا إلى أن يرجعوا إلى نقطة البداية في ذلك كله .
وهذا هو الذي جعل لقمان يجلس إلى ولده ،ليكون الدرس الأول الذي يقدمه له هو توحيد الله ،الذي عبّر عنه برفض الشرك ،لتتوحد كل آفاق الحياة لديه في أفق واحد ،ولتلتقي كل مواقعها في موقعٍ واحدٍ ،ولتتحرك كل اتجاهاتها في اتجاهٍ واحد ،ليبقى الإنسان مع الله وحده ،وليدخل إلى الآخرين من الباب الذي ينفتح على الله ،لأنه وحده الحقيقة ،وكل ما عداه فهو ظلٌّ لوجوده .
وهناك نقطة أخرى ،وهي ربط مسألة الشرك بالله بالظلم ،في ما عبرت عنه الآية الكريمة:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنه ظلمٌ مضاعف متعددٌ ،فهو ظلمٌ لله من موقع التعدي على حق الله في توحيده في العقيدة وفي العبادة ،وكل تجاوزٍ عن الحق ظلم ،من دون فرقٍ بين انطلاقه من موقع القوّة أمام موقع الضعف ،وبين انطلاقه من موقع الضعف الذي لا يراعي حقوق القوي في خلقه وفي نعمه .
وهو ظلمٌ للنفس ،لأنه يورّط النفس في عذاب الله ،كما يوقعها في الكثير من مواقع سخطه ،من خلال الارتباط بغيره ،والتعلق بالأهواء ،ونسيان الله تعالى ومنهاجه الذي يكفل للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة .