{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} ليشكرهما كما يشكر الله ،في الكلمة واللفتة والسلوك ،وهذا من الحكمة التي ألهمها الله لقمان ،والظاهر أنها من كلام الله لا من كلامه ،استكمالاً لأجواء الشكر التي لا بد للإنسان من أن يعيشها في حياته مع الناس الذين يجب أن يشكرهم ،وخص الأم بالذكر لأنها الأكثر جهداً وتضحية والأشدّ خطورةً في رعاية الولد ووجوده ،من الأب ،في ما يمثله الارتباط العضوي بين وجوده ووجودها في الحمل والولادة والإرضاع والتربية .
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} فهي تنتقل في حملها له من ضعفٍ يستولي على كل جسدها ،إلى ضعفٍ يكاد يسقطها في ما تنوء به من ثقلٍ وما تتحمله من آلام ،وفي ما تعانيه من الخطر على الحياة عند الوضع .
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وهي المدة التي تقوم فيها الأم بإرضاعه ،ليكون بعد ذلك الفصال ،وهو الفطام الذي يبدأ فيه الطفل بالغذاء الطبيعي بشكلٍ عاديّ ،ثم ينمو ويتكامل في عقله وجسده ،لتبدأ المسؤولية العملية في حياته في ما حوله وفيمن حوله ،ليكون شكر الله هو البداية في ذلك ،حيث يحس بوجوده في كل عناصره التي تكفل له الاستمرار من نعم الله التي لا تُعد ولا تُحصى ،فيبادر إلى الارتباط بالله من خلال هذا الإحساس العميق بالصلة التي تربطه به وتشدّه إليه .وإذا استقام له هذا الشكر الذي هو علامة الانفتاح عليه ،استمع إليه في وحيه{أَنِ اشْكُرْ لِي} لأني السرّ الأعمق في إرادة وجودك{وَلِوالِدَيْكَ} اللذين هما السبب المباشر والأداة المتحركة في فعليّة هذا الوجود ،ثم انطلق في الحياة من موقع الإيمان بأنك لن تخلد في الدنيا ،فإن لك عمراً محدوداً لا بد من أن تستكمله ،لتموت من بعده ،ولكن لا لتنتهي الحياة عندك ،بل لتبدأ حياةً جديدةً ترجع فيها إلى الله حيث تواجه حساب المسؤولية .ولذلك فلا بد لك من أن تجعل كل حركتك وعلاقتك في الدنيا بكل الناس من حولك ،حتى أبويك ،مربوطةً بالخط الذي يقرّبك إلى الله{إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فإذا كان والداك هما اللذان أخرجاك إلى الحياة بشكلٍ مباشرٍ ،فإن الله هو الذي خلقهما من قبلك ،وهو الذي أودع في جسديهما سرّ انتقال الحياة إليك ،فهو الأوّل والآخر في ذلك كله .