{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فاستعملا كل الضغوط التي يملكانها في السيطرة عليك لتنحرف عن خط التوحيد إلى خط الشرك الذي لا حجة لك عليه ،ولا علم لك به من ناحية البرهان ،أو لتنطلق إلى خط الضلال بعيداً عن خط التقوى ،لتتخبط في وحول المعصية ،ومتاهات الكفر ،ليقنعاك بأن الولد لا بد من أن يتبع والديه ،وينسجم مع قناعاتهما ،لأن طبيعة العلاقة الحميمة القوية تفرض الارتباط بالعقيدة والسلوك ،لتكون العائلة موحّدةً في الفكر والانتماء والسلوك{فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} في هذا المنطق الخاطىء ،لأن طاعة الله هي الأساس ،فهو وحده الرب الذي يجب أن يعبده الناس كلهم ويطيعوه في كل أوامره ونواهيه ،ومهما بلغت علاقة الإنسان بالناس ،فإن علاقته بالله أقوى ،وحاجته إليه أشدّ ،لارتباط كل حياته به ،إذا كانت حياته ترتبط بهم في فترةٍ معينةٍ ،في الوقت الذي يمتد فيه الارتباط إلى إرادة الله ،فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،ولكن ذلك لا يمنع من بقاء الصلة الحميمة ،والإحسان إليهما ،والصحبة لهما بالمعروف ،بالرفق بهما ،والصبر عليهما ،والرعاية لهما في كل الأمور التي تفرضها العلاقة في الدنيا ،ما يجعل من مسألة الأبوّة والأمومة ،شيئاً يتصل بالإحسان والاعتراف بالجميل أكثر مما يتصل بالطاعة والانتماء الفكري والعملي .
{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} لأن ذلك هو الخط الثابت للعلاقة الوثيقة التي تشمل الخط والانتماء والحركة ،وهو الذي يحدد للإنسان مجتمعه الحركي ،وقيادته المسؤولة ،ونهجه السليم .فليست الطاعة والانتماء إلا للذين يرجعون إلى الله في فكرهم وعملهم وكل توجهاتهم في الحياة .وذلك هو سبيل النجاة ،وهو الذي يجعل للحياة خطاً مستقيماً يؤدي بالإنسان إلى سعادته في الدنيا والآخرة ،{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} يوم القيامة ،حيث تلتقي العلاقات كلها بالله ،ليبقى منها ما ارتبط به ،وليزول منها ما انفصل عنه ،{فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} لتواجهوا على أساس ذلك مسألة المصير .