قوله:{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} يعني إن حرص عليك الوالدان كل الحرص ،وبذلا فيك الجهد لحملك على متابعتهما في دينهما فتشرك بي في العبادة غيري مما لا تعلم أن شريك لي ،فلا تقبل منهما ذلك ولا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي .وذلك هو شأن المؤمن الواثق بربه المستيقن بحقيقة دينه ؛فإنه لا يلين لأحد من الناس كالوالدين أو غيرهما إذا أرادوا حمله على الإشراك بالله أو التنازل عن جزء من عقيدة الإسلام أو فروضه وواجباته .إنه ما ينبغي لمسلم مستعصم مستمسك بعقيدته الصلبة المكينة أن يتزعزع أمام الحملات المختلفة من أساليب الإغراء والإغواء والإضلال ،بل يظل المسلم في وجه كل الأعاصير راسخ العقيدة شامخ الهمة والإرادة ،صابرا .
قوله:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}{مَعْرُوفًا} ،صفة لمصدر محذوف ؛أي وصاحبهما صحابا معروفا ؛أي صاحبهما في الدنيا بالمعروف والإحسان ،وأطعهما في ما ليس فيه معصية لله .ويستدل من الآية على صلة الأبوين الكافرين بالمستطاع من المال إن كانا فقيرين ،وأن يعاملهما الولد باللين والرحمة والرفق عسى أن يهتديا .ولا يحل بذلك للولد أن يقسو على أبويه الكافرين فيعاملهما بالغلظة ،أو يخاطبهما بسوء الكلام مما فيه إيذاء لهما أو إهانة .وأي شيء من الإهانة وسوء الخطاب لأبويه أو لأحدهما فإنه خطيئة فادحة ،وكبيرة من الكبائر .
قوله:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} أي اتبع سبيل المؤمنين المنيبين إلى الله بعبادته وحده ،والتزام شرعه ومنهاجه{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي أنتم مبعوثون من بعد الموت وصائرون إلى الله يوم القيامة{فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} عقب معادكم ومصيركم إلى الله فإنه مطلعكم على جميع ما أسلفتم في دنياكم من الأعمال من خير أو شر فمجازيكم على ذلك كله{[3649]} .