{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ} وراقبوه في أعمالكم في السرّ والعلانية ،من خلال الإحساس بحضوره في كل شيءٍ ،فإنه الحضور الذي لا حضور مثله ،في ما يتمثل به من كل خلقه الذين يدلّ وجودهم على وجوده{وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وهو يوم القيامة الذي يقف فيه كل إنسان أمام مسؤوليته الفردية وجهده الذاتي ،فلكل واحدٍ عمله الذي يجزى به ،وليس لأحدٍ أيّ قدرةٍ على التدخل في تخليص غيره حتى في أشد العلاقات حميميّةً وقوّةً ،مثل علاقة الوالد بولده وعلاقة الولد بوالده فلا يملك أحدهما أن يتدخل لمصلحة الآخر ،ولا يغني عمل أحدهما عن عمل الآخر ،ما يفرض على الناس في الدنيا أن يدرسوا خلاصهم من مواقع أعمالهم ،لا من مواقع علاقاتهم ،لأنهم سيُعرضون جميعاً على الله ،وسيقفون بين يديه للحساب الدقيق في كل صغيرةٍ وكبيرة .
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فلا يخلف الله وعده ،فهو الصدق كله ،والثبات كله ،فالتزموا الخط الذي يرفع درجاتكم فيه ويرفع مواقعكم عنده{فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} في ما تشتمل عليه من لذات وشهوات ومالٍ وجاهٍ وسلطان ،لتوحي إليكم بالخلود فيها ،والركون إليها ،والاستسلام لأوضاع الاسترخاء فيها{وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وهو الشيطان الذي يخدعكم عن أنفسكم ويجركم إلى مهاوي الهلاك ،ويوحي إليكم بأنها مواقع النجاة ،فيزين لكم القبيح حسناً والحسن قبيحاً ،ويمدّ لكم الآمال حتى لا تفكروا بموت ،ولا تنتظروا آخرة .