{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرةَ} بكل ما يفرضه هذا الارتباط بالرسول الذي يحمل مسؤولية الرسالة ليجعل حياته كلها لله في إبلاغ وحيه ،وخدمة شريعته ،والجهاد في سبيله ،وفي تحمّل مسؤولية الأمة في ما تحتاجه في حياتها مما يستطيع أن يقدّمه لها من جهدٍ أو علمٍ أو مال ،ما يجعل الذين يعيشون معه في حياته الخاصة أشخاصاً واعين للدور الكبير ،ومستعدِّين للتضحية بأوضاعهم الذاتية المزاجية ومصالحهم الشخصية في سبيله ،تماماً كما هو النبي( ص ) في ذلك ،لأن ذلك هو معنى الارتباط الواعي بالرساليين ،سواء كان ذلك في مستوى العلاقات الزوجية ،أو في مستوى العلاقات الإنسانية الأخرى في الدائرة العامّة .
وهكذا نفهم من خلال هذا الخط التخييريِّ ،الإنساني في عمق روحيته ،الواقعيّ في طبيعة حركته ،أن العلاقة بين النبي وزوجاته ،لم تكن خاضعةً لحالةٍ حسيّةٍ شهويّةٍ ،قائمة على الرغبة الجسدية للنبي ،كما يحاول أعداء الإسلام أن يثيروه ،ليشوّهوا قداسته الروحية وصفته الرسالية .وها نحن نفهم من خلال هذه الآية أن النبيمن خلال وحي اللهيترك لهن كل الحرية في التخلص من قيود الزوجية بالطلاق ،ويطرح عليهنفي الجانب الآخرأن يعشن معه أجواء التضحية في سبيل الله ،لينطلقن معه بصفتهن الإيمانية المنفتحة على الحياة لا بصفتهن الذاتية الغارقة في أجواء الملذات ،{فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} في ما ينتظرهن من نعيم الله ورضوانه في الدار الآخرة .
ولعل في الحديث عن الأجر العظيم للمحسنات منهن ،بعض الإيحاء بأن الزوجية للنبي ليست قيمةً روحيةً في ذاتها ،لتكون لزوجاته القداسة الإسلامية بصفتهن الزوجية ،بل القيمة كل القيمة ،للإحسان في الخط العملي المتحرك مع الإخلاص لله ولرسوله وللدار الآخرة ،تماماً كما هم المسلمون الآخرون من الرجال والنساء ،في اعتبار التقوى في خط الإيمان أساساً للحصول على كرامة الله ورضاه ،وهذا هو العمق الرسالي الذي يربط الناس بالأشخاص من خلال علاقتهم بالله ،في القرب منه والبعد عنه ،بعيداً عن الصفة الذاتية في ذلك .