في هذا الفصل من السورة حديثٌ مفصَّلٌ عن الخط العملي والعمق الروحي للجوّ الذي يريد الله للبيت النبوي أن يعيش فيه في حياة زوجات النبي( ص ) مع إطلالةٍ سريعةٍ على بعض خصوصيات أهل بيته .
اهتمام الوحي ببيت النبي( ص )
قد يكون الأساس في الاهتمام القرآني بالتوجيه الخاص للوضع الداخلي في بيت النبي( ص ) ،انعكاس ذلك سلباً أو إيجاباً على النظرة العامة للموقع النبويّ ،في ما يمكن أن يثيره المنافقون من أقاويل وانطباعات ضده من خلال ما قد يحدث من بعض زوجاته من أوضاع خاصةٍ تسيء إلى مكانته ،وذلك من خلال النظرة الاجتماعية الساذجة التي تحمّل صاحب البيت مسؤولية أهل بيته ،خلافاً للنظرة الإسلامية التي لا تحمّل أحداً مسؤولية انحراف شخص آخر من متعلِّقيه إلا بمقدار تقصيره في منع الانحراف ،أو رضاه عنه ،إذ لا فرق بين أهله وبين الناس الآخرين في تحديد المسؤولية بالدعوة إلى الله ،بكل الأساليب العملية التي تؤدي إلى الهداية .فليس على النبي إلا البلاغ ،وليس على صاحب البيت إلا بذل جهده في هداية أهل بيته .وتبقى النتائج السلبية أو الإيجابية خارجةً عن مسؤوليته أمام الله .
وهذا هو ما قد يحتاج المسؤولون عن الدعوة إلى الله والعاملون في سبيله أن يعرفوه ،من ضرورة توفرهم على سلامة البنيان الداخليّ لبيوتهم ،بالتربية الإسلامية ،والتركيز الإيماني الروحي ،والسير على خط التقوى ،لأن ذلك قد يترك أكثر من انعكاس .
النبي يخيِّر زوجاته بين الدنيا والآخرة
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَْزْواجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} في ما تريده النساء الأخريات من شؤون الترف والاستمتاع المادي الذي يستهوي الحسّ ويثير الطموح الذاتي في تلبية الشهوات وإرضاء المطامع ،فلن تلاقين مني الضيق والقهر والضغط والاضطهاد ،لأني لا أريد لأيّة واحدةٍ منكنَّ أن تعيش مقهورةً مضطهدة ،في ظل الضيق المادي الذي أعانيه ،وفقدان الاستقرار ،وصعوبة الظروف .
فإذا كانت إرادتكنَّ هذا النوع المترف من الحياة مما لا أستطيع تحقيقه إلا بالانحراف عن أمانة الرسالة ،ومسؤولية الرسول .{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} وذلك بأن تأخذ كل واحدةٍ منكن حقوقها الواجبة بالعقد ،مع زيادة على ذلك من نفقةٍ أو عطيّةٍ مقبولةٍ ،لتأخذن حريتكن في أجواء المودة والرضا والخير والإحسان .