{فَأَعْرَضُواْ} وتمرّدوا ،واستعانوا بنعم الله على معصيته ،وابتعدوا عن خطه المستقيم ،وأهملوا حسابات الله في حساباتهم ،وأغلقوا أسماعهم عن سماع مواعظه ،{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} وكان القوم في حالة استرخاء لذيذٍ غافلٍ عن كل شيء ،مستسلم لكل أحلام اللذّة والشهوة والغي والسلطان ،ينتظرون الموسم الجنيّ المثقل بالثمار ،الواعد بكل ربح كبيرٍ ومالٍ وفير ،ويستعدون لبداية موسمٍ جديد .وكان الماء يأتي أرض سبأ من أودية اليمن ،وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما ،فسدّوا ما بين الجبلين ،فإذا احتاجوا إلى الماء ،نقبوا السدّ بقدر الحاجة ،ليسقوا زروعهم وبساتينهم ،فلمّا كذّبوا رسلهم وتركوا أمر الله ،بعث الله جرذاً نقبت ذلك الردم وفاض عليهم الماء سيلاً جارفاً لكل شيء .
{وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتيهِمْ} الزاهيتين المثمرتين الرائعتين{جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ} وبذلك تحوّلت الجنائن الغنَّاء الخضراء إلى أشجارٍ لا تغني شيئاً ،فليس هناك إلا الشوك ،{وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} وهو النبق الذي لا يأكله إلا حيوان جائعٌ أو إنسانٌ أضناه الفقر والعوز .