{وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَآءُ} الذين تتحرك الحياة في كل عروقهم فتحرك فيهم الحسّ والشعور ،{وَلاَ الأمْوَاتُ} الذين تحوّلوا إلى جمادٍ لا أثر للحياة فيه ،فلا يحسّون بشيء ولا يعقلون شيئاً .
وهكذا توحي هذه الكلمات المتقابلة ،والموجودات المختلفة ،بما يماثلها في الوجود الإنساني وبما حوله ،فالأعمى يماثل الكافر ،والبصير يماثل المؤمن ،لأن الكفر ضياعٌ وتخبطٌ وانحراف ،أمّا الإيمان فهو استقامة وهدى واطمئنان ،والظلمات هي شبهات الكفر وأضاليله وأوهامه ،والنور هو الإسلام بعقيدته وشريعته ونهجه السويِّ ،والظل هو الجوّ الروحي الوديع المنعش الذي يوحي بالدعة والسكينة ،والحرور هو الشهوات المحرقة التي تتحول إلى لهيبٍ يحرق الحياة في داخل النفس ،والأحياء هم المؤمنون المسلمون الذين فتحوا عقولهم وأسماعهم وأبصارهم على كلام الله ،وتحرّكوا في الاتجاه السليم الذي ينطلق منه ويرجع إليه ،والأموات هم الذين تجمّدت عقولهم ،وتحجّرت مشاعرهم ،فلم يلتقوا بالروح الإيمانية التي تتحرك في آفاق الوحي ،لأنهم لا يعيشون نبض الحياة الشاعرة في أعماق ذواتهم ،لذا لا بد للإنسان أن يستوحي المعنى من الكلمة ،والروح من المادة ،والفكرة من حركة الحياة .
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ} حيث يفتح القلوب والأسماع على كلماته ،ويحيي القلوب بعد موتها بالإيمان ،فيقيم عليها الحجة ،ويهديها الصراط المستقيم .وهكذا نجد أن المؤمنينوحدهمهُمُ الذين يسمعون ويعقلون ،أمّا غيرهم فهم كالأموات لا يسمعون شيئاً ولا يعقلون ،لأنهم جمَّدوا أسماعهم عن الاستماع إلى كلام الله ،وأماتوا حياة قلوبهم فلم تهتد إلى وحي الله ،{وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} وهم الكفار الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون .