{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} لأنه يعيش العقدة المتأصِّلة في شخصيته ضد آدم وولده ،من موقع الكبر والحسد ،اللذين تحوّلا إلى حالةٍ من الحقد العدواني ،فعمل على إخراج آدم وزوجه من الجنّة ،وأعلن لله ،بعد أن أخذ الوعد بالخلود في الدنيا ،بأنه سيمنع بني آدم من سلوك الطريق المستقيم ،وسيستخدم كل وسائله في هذا السبيل ،وسيحيط بهم من كل الجهات ،حتى يحاصرهم بأضاليله فلا يستطيعون هروباً منه ،وسيؤثر على مصالحهم في الدنيا ومصيرهم في الآخرة ،ليحطّم كل وجودهم الروحي والمادي المتوازن المنفتح على آفاق الله ،فأيّة عداوةٍ أعظم من هذه العداوة ؟فلا تغفلوا عنه ،في أيّة لحظةٍ ،وفي أيّ موقع ،ولا تتخذوه صديقاً عندما يزيّن لكم شهوات الحسّ ،ويصوّر زخارف الحياة الدنيا ،لأن الصداقة والعداوة لا تخضعان لظواهر الأمور التي تستلذها الحواس ،بل تخضعان لبواطنها ونتائجها ،بما تختزنه الروح ويرضى به العقل .فإذا عرفتم هذه العداوة المعقَّدة{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} وتعاملوا معه باليقظة المنفتحة على كل ما حولكم ومن حولكم ،كي لا ينحرف بكم عن الخط المستقيم ،ولا تهتز مشاعركم أمام ما يبثه من عناصر الإثارة ،ولا تسقط مواقفكم عندما يوحي بالانحراف والضلال .وحاولوا أن تدرسوا النتائج الأخيرة التي تنتهي إليها كل مخططاته وإيحاءاته ،في كل ما يدعو إليه ،{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} من كل هذه الجماعات التي تطيعه وتخضع له ،وتنفذ كل خططه{لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} من خلال ما يقودهم إليه من الأعمال التي يستحقون بها عذاب النار .