{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ} في ما تمثله هذه الكلمة من الأوثان والأشخاص والقوى الطاغية التي تطرح نفسها ،أو يطرحها الناس للطاعة والعبادة من دون الله بكل مستلزماتها الروحية والعملية ،{أَن يَعْبُدُوهَا} فرفضوا عبادتها من موقع وعيهم للباطل المتمثل فيها من الناحية الرمزيّة والواقعية ،ومعرفتهم بأن الله وحده هو الذي يستحق العبادة والطاعة في كل شيء ،لأنه المالك المهيمن على كل أمر ،وبذلك حددوا موقفهم تحديداً دقيقاً .{وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ} والتزموا نهجه وشريعته ،وأقبلوا عليه في وحدةٍ متكاملةٍ تتضمن الرفض للطاغوت والالتزام بالله ،لأن ذلك هو الذي يحقق خط التوازن في العقيدة والالتزام ،فلا يكفي الإنسان أن يرفض الطاغوت بل لا بد له من أن يحدّد الجهة التي يلتزمها في موقع الإيمان والطاعة ،لأن الله لا يكتفي بالموقف السلبي للإنسان ،بل يجب أن يلتقي بالجانب الإيجابي الذي يمثل حركته في الحياة .وهذا هو ما استطاع هؤلاء المؤمنون أن يؤكدوه عندما رفضوا عبادة الطاغوت والتزموا عبادة الله ،فجعل{لَهُمُ الْبُشْرَى} عند الله ،في ما يبشر الله به عباده من رحمته ورضوانه ونعيمه في جنته ،لأنهم انفتحوا على الحق من موقع التأمّل الواعي والتفكير العميق والاختيار الحرّ ،فاستحقوا الكرامة عند الله .