الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} في عملية اختيار للسماع من أجل أن يجعلوه وسيلةً للمعرفة والهداية ،انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية في مسألة الوصول إلى الحق والالتزام به ،ولذلك فإنهم يدخلون في التمييز بين القول الطيب والقول الخبيث ،والكلام الحسن والكلام السيىء ،فيختارون الطيب والحسن ،فإذا وقفوا بين الحسن والأحسن اختاروا الأحسن من أجل العمل باتجاهه ،{فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} .
وفي ضوء ذلك ،كانت خطواتهم مدروسةً بدقّةٍ وتأمّلٍ ومعاناةٍ ،فلا يتبعون الهوى ،ولا يخضعون للانفعال ،وتلك هي صفة المسلمين الملتزمين في انفتاحهم على الخط الذي يسيرون عليه ،فهم يعيشون قلق المعرفة ،ويتحركون وراء كل كلمة حقٍّ وخيرٍ ورشادٍ ،ليستمعوا إليها بقلوبهم وعقولهم وآذانهم ،ويناقشوها بكل مفرداتها الإجمالية والتفصيلية ،ويلاحقوا كل احتمالاتها ليصلوا إلى القناعة من موقع وضوح الرؤية ،لتتحول القناعة اليقينية إلى ممارسةٍ عمليةٍ .وقد أطلق الله القول فلم يحدد له وجهاً معيناً ،ليوحي بأن هؤلاء الناس لا يتعقدون من سماع أيّ قولٍ لأيّ قائل ،ما دامت المسألة لديهم أن يفكروا بما يسمعونه ،وأن لا يتبعوا إلا ما يقتنعون به من موقع المعاناة الفكرية ،{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} بفعل ما ألهمهم من طلب الحق والسعي إلى معرفته والالتزام به .
{وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُو الألبابِ} أي ذوو العقول ،لأن طبيعة هذا النهج الذي يجعلونه أساساً لحياتهم في الأخذ بأسباب الفكر المتحرك الباحث وراء كل احتمالٍ من أجل الحقيقة ،هو الذي يفرضه العقل ،ويوجه صاحبه إلى المنطق السليم ،والموقف المتّزن .