{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} ولا تعبد معه أحداً غيره{وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} الذين يشكرونه بالقول والعمل في خط الطاعة .
* * *
كيف نفهم خطاب الله للأنبياء عن إحباط عملهم ؟
وقد يثار هنا سؤال: كيف يمكن أن يوجّه الخطاب للنبي ولغيره من الأنبياء بهذه الطريقة ،في الوقت الذي لا يتصور فيه أحد ،أن يصدر منهم أيّ نوع من أنواع الشرك ،لأن صفاء نفوسهم ،وعمق إخلاصهم ،وصدق يقينهم ،يمنع أيّة حالةٍ من حالات الاهتزاز في عقيدتهم ،فكيف يمكن أن يطوف في خيالهم الشرك كفكرة للعقيدة ؟
والجواب عن ذلك: إن الأسلوب القرآني يؤكد على قيمة العقيدة من حيث علاقتها بالمصير الإنساني عند الله بمختلف الأساليب ،ولعلّ الحديث مع الأنبياء عن إحباط أعمالهم في حالة التزامهم بالشرك ،يمثل أسلوباً متقدماً في هذا الاتجاه ،على أساس أن القضية التوحيدية لا تخضع للتمييز بين شخصٍ وآخر ،بما فيهم الأنبياء .هذا من جهةٍ ،ومن جهةٍ أخرى ،فإن النبيّ خاضعٌ للأوامر والنواهي الصادرة من الله ،في تكليفه العقيديّ والشرعيّ ،إذ لا فرق بينه وبين الآخرين من موقع بشريّته التي تفرض عليه الالتزام بالمبادىء العقيدية والشرعية العامة والخاصة ،تماماً كما يدعو الناس إليها ،وإذا كان النبي معصوماً ،فإن العصمة لا تمنع من توجيه الخطاب إليه ،لأنها تعني امتناع صدور المعصية منه ،وهذا ما لا يتنافى مع التكليف ،ما دامت العصمة لا تتنافى مع الاختيار ،كما ذكره الباحثون في حديث العصمة .