{غَافِرِ الذَّنبِ} الذي يطلّ على حركة عباده في مواقع أمره ونهيه من خلال مغفرته التي تطّلع على نفوسهم ،فإذا وجدت فيها شيئاً من الخير التقت به في تطلعاته المبتهلة إلى الله بالتوبة ،وتطّلع على ظروفهم ،فإذا وجدت فيها بعض العذر في ما يضغط على أفكارهم وعواطفهم وحياتهم مما يقودها إلى الانحراف من دون عمدٍ ،قدّرتْ لهم المغفرة ليتحركوا من خلالهامن جديدفي خط الاستقامة .
{وَقَابِلِ التَّوْبِ} الذي يقبل التوبة عن عباده ويحب التوابين الذين تدل توبتهم على صدق إخلاصهم ،وعمق إيمانهم ،وطهارة مشاعرهم ،ووعيهم للجانب الإنساني الذي يجعلهم خاضعين لنقاط ضعفٍ سببها طبائعهم وغرائزهم وتأثّرهم بالواقع الخارجي المحيط بهم ،مما قد يسقط الإنسان أمامه دون شعور ،فإذا تنبَّهوا لذلك ووعوا خطورة الموقف ،في ما يمثله من عصيانٍ لله ،الذي يقود العاصين إلى نار الله في الآخرة ،تراجعوا عن المعصية ،وأنابوا إلى الله في توبةٍ صادقةٍ تؤكد موقع نقاط القوّة التي تتحدى نقاط الضعف ،فتخضعها للإيمان وللإسلام .
{شَدِيدِ الْعِقَابِ} للمتمردين الطاغين الذين عاندوا الحق واستكبروا على حامليه ،ووقفوا ضد حركته ،وحاربوا رسالته ورسله{ذِي الطَّوْلِ} أي الإنعام الذي يفيض به على عباده بما يرعى به حياتهم ،ويدبّر شؤونهم ،لينعموا بذلك ،ويرجعوا إليه ،في تنظيم قضايا معاشهم ومعادهم .{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فهو وحده ،الذي اتصف بالألوهية لأنه وحده الذي أوجد الخلق كلهم وأشرف على كل أمورهم بحكمته وقوّته وتدبيره ،فلا إله غيره ،لأن كلَّ من عداه مخلوق له محتاجٌ إليه في كل شؤونه الخاصة والعامة ،{إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} الذي يرجع إليه الخلق كلهم ليواجهوا نتائج المسؤولية في موقف الحساب أمامه ،ليجزي الذين أساءوا بعقابه والذين أحسنوا بثوابه ..
وتلك هي الصورة البسيطة الواضحة التي يقدّمها الله لعباده ،ليتصوروه بها ،ليعرفوا موقعهم منه وموقعه منهم ،ليعيشوا مع الله في وعيٍ كاملٍ لصفاته المتعلقة بعباده ،المتصلة بالكون الذي يتحركون فيه ،فلا تكون صفة الله غامضةً في شعورهم فيتصوّروه من موقع الغموض الذي يحيط بالسرّ الكامن في ذاته الذي لا يطّلع أحد على شيء منه ،بل تكون واضحةً ليتطلعوا إليه من الموقع الذي يتحسسون فيه رحمته إلى جانب غضبه ،ويدركون فيه عزته وقوّته وعلمه المحيط بكل شيء ،إلى جانب مغفرته وقبوله التوبة ،ويتعرفون فيه على شدة عقابه إلى جانب امتداد إنعامه ،ويعيشون الشعور العميق الممتد في الكون كله ،بوحدانيته وبطلان كل ما عداه ،ويفكروندائماًبرجوعهم إليه ،ووقوفهم بين يديه في نهاية المطاف ،فمنه البداية وخط السير ،وإليه النهاية ..
وبهذا يكون وضوح تصوّرهم لله الذي يعبدونه ،أساساً لعلاقةٍ حميمةٍ تربطهم به وتشدهم إليه وتجعلهم يعيشون معه في جوهر الفكر وروحية العبادة وامتداد الحياة .