{مَا يُجَادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} في ما يثيرونه من كلمات لا تحمل أيَّ مضمونٍ عقلانيٍّ حول ما تحمله آيات الله ،وحول ما يمثله رسول الله من موقع ،وحول الدعوة التي يحملها لهداية الإنسانية إلى سواء السبيل ،فليس لدى هؤلاء دعوةٌ بديلةٌ في مستوى عمق دعوة الإسلام وشمولها ،ليقوم جدالهم على أساس إسقاط فكرةٍ ،وإقامة أخرى .وليس عندهم مفاهيم ذات مضمونٍ فكريٍّ ضد مفاهيم الدعوة الإسلامية وشرائعها ،ليكون الجدال منطلقاً في اتّجاه إبطال مضمونها في وعي الناس ،بل كل ما يفعلونه هو إثارة الدخان حول الرسول والرسالة ،بطريقةٍ انفعاليةٍ تخاطب الغرائز والمشاعر ولا تخاطب العقول ،فيكون جدالهم لمجرّد الجدال ..أمّا المؤمنون ،فهم لا يدخلون الجدال إلا عندما تكون لديهم علامات استفهام يريدون معرفة الجواب عنها ،أو تكون عندهم قناعاتٌ فكريةٌ يعملون على تأكيدها في الذهن والواقع ،في مقابل القناعات الفكرية المضادّة ..وإذا ما دخلوا في الجدال ،فإنهم يمارسونه بطريقةٍ عقلانيةٍ مسؤولة ،لأنهم لا يستهدفون إسقاط مواقف الآخرين وإسكاتهم فحسب ،بل يستهدفون إلى جانب ذلك ،ربح مواقف الآخرين لحساب الحق من خلال اقتناعهم بالحق .وهذا هو الفرق بين المؤمنين والكافرين في مسألة الجدال ،فالمؤمنون ينطلقون فيه من موقع البحث عن الحق ،بينما ينطلق الكافرون فيه من موقع الاستكبار واستعراض القوة التي يفرضونها على الموقف ..
{فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاَدِ} الذي يحاولون فيه البروز بمظهر قويّ لإثارة الرهبة والخوف في نفوس الناس من خلال مواقع السلطة التي يملكونها ،أو الوسائل العنيفة التي يحركونها ،أو غير ذلك .فلا تعتبر تقلبهم في البلاد مظهر ضغطٍ قويٍّ شاملٍ ،لأنه سينتهي إلى زوال إن عاجلاً أو آجلاً ،بل انظر إلى ما يختزن في داخله من نقاط الضعف ،لا إلى ما يبرز في ظاهره من نقاط القوة ..فليسوا أوّل الناس الذين يتحركون بهذه الطريقة ،فقد جاءت أممٌ قبلهم كانت على شاكلتهم في الاستكبار والعناد والتكذيب ،ولكنها تبخّرت مع الزمن ،وسقطت أمام بأس الله .