لماذا يجادل هؤلاء الذين يواجهون الرسالات في آيات الله ؟وما هي خلفيّاتهم النفسية ؟وكيف يعالج القرآن الموقف من خلال منطقهم ؟هذه الآيات تحدّد ذلك كله ..
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} فهم لا يملكون حجّةً من علمٍ على ما يلتزمونه من نهجٍ في العبادة ،أو على ما يعارضونه من خط الرسالة والدعوة ،ولم ينطلقوا من موقع شبهةٍ في الفكر أو خطأ في الحساب ،فكيف اتخذوا ذلك الموقف ؟..إن الناس يتخذون الموقف ،عادةً ،من خلال التصورات المضطربة في تفكيرهم ،في ما يتيقنون به ،أو في ما يظنون ،{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} فهم ينطلقون من عقدة استكبارٍ تمنعهم من الخضوع للحق الذي يهدد امتيازاتهم الطبقية ،أو طموحاتهم الذاتية ،أو من اتّباع الرسول الذي لا يحتل موقعاً متقدماً على المستوى المالي أو الاجتماعي في السلَّم الطبقي للمجتمع ،وبذلك كان هدف جدالهم الوصول إلى تعقيد الموقف منه ،وإثارة الشكوك حوله لإبعاد الناس عنه ،بوسائل تخاطب انفعالات الناس وعاطفتهم ،ولإسقاطه في ساحة الصراع ..كما يفعل كثير من المترفين المتكبرين المتجبرين عندما يثيرون المعارك الكلامية أمام دعوات التغيير والإِصلاح ،ليشغلوا الدعاة إليها بالقضايا الجانبية التي تبتعد بالموقف عن القضايا الأصليّة ،ولكن الله يؤكد أنهم لن يصلوا إلى ما يريدون ،لأن الكبر ليس حالة فكرٍ ،بل هو حالة انفعالٍ لا تلبث أن تتبخر أمام الحقيقة الحاسمة التي تفرض نفسها بالأدلّة القاطعة الواضحة ،وهكذا يتحركون في نهجٍ استكباريٍّ نحو هدفٍ{مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} فإن الله يُبطل كل كيدهم ومكرهم ،ويوجّه النبي إلى الاستعاذة بالله من كل ذلك .{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الذي يسمع ما يتحدثون به من نجاوى الشرّ ،ويبصر حركة تنفيذ مخططاتهم العدوانية .