ما هي مهمة الملائكة ،وما هي علاقتهم بالناس الذين يعيشون على الأرض ،وكيف ينظرون إلى المؤمنين ؟
إن هذه الآيات تجيب عن ذلك ،وتقول: إن الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله ،لا يكتفون بالتسبيح بحمد الله ،وبالإيمان به ،بل يستغفرون للمؤمنين الذين يشاركونهم روحية الإيمان بالله ،ممن عاشوا الإيمان واندمجوا فيه وتابوا بعد أن أخطأوا ،في كلماتٍ خاشعةٍ مبتهلةٍ منفتحةٍ على رحمة الله لكل المؤمنين التائبين .
وهو أمرٌ يوحي إلينا باللقاء الروحي الذي يتحول فيه الملائكة إلى كائناتٍ عاطفية تبتهل إلى الله من أجل الإنسان التائب المؤمن ،وهو ما يجعلنا نتطلع إلى السماء ومخلوقاتها الملائكية لنشعر بإطلالة السماء في ملائكتها على الأرض في إنسانها ..في انطلاقة الإيمان .
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} هؤلاء الذين يمثلون النموذج الأعلى من الملائكة في حملهم للعرش ،وهو الموقع الأعلى في السماوات ،لما توحي به كلمة العرش في معناها الكنائي في السلطة العليا في الكون التي هي المظهر الحيّ لسلطان الله ..ولكن ما هي حقيقة العرش ؟وكيف هو حمل الملائكة له ؟وما هي مهمتهم في ذلك ،ومن هم هؤلاء الذين حوله ؟كلّها علامات استفهام تطل على عالم الغيب بحيرةٍ ،قد تبقى ممتدة مع تطلّعات المعرفة من دون أن تحصل على جواب ،لأن الله لم يعرّفنا تفصيل ذلك ،فلنترك علم ذلك إليه ،{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} في ما يعبر عن الشعور بالعظمة بالحمد الذي يختزن في داخله معنى العظمة ومضمونها من خلال الصفات التي توحي بالحمد كله ،{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} في وعيهم الخاشع لكل مواقع العظمة في ربوبيته ،وفي انفتاحهم على الكون كله الذي يمثل سرّ الإبداع في حكمته وقدرته ..
ملائكة السماء المستغفرون لأهل الأرض
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} وأخلصوا لله الإيمان ،وطاف بهم الشيطان في بعض مواقع لهوه وعبثه وغروره ،ثم عادوا إلى الله في روحية الإيمان لتتلقّاهم الملائكة في ابتهالات الدعاء الذي يؤكد استغفارهم باستغفار ملائكي حميم:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} فأنت الرحيم بعبادك ،العالم بكل الظروف الداخلية والخارجية التي فرضت عليهم الانحراف وأوقعتهم في المعصية ،وأبعدتهم عنك{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ} واستغفروا في ندم عميق على ما أسرفوا به على أنفسهم ،وخالفوا به ربهم ،فرجعوا إليك{وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ} وساروا على هداك ،والتزموا شريعة رسلك ،{وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} لأن انحرافهم لم يكن عميقاً ،أو ممتداً في كل حياتهم ؛بل كان طارئاً ،خاضعاً لنزوةٍ طارئةٍ ،أو شهوةٍ عابرةٍ ..