ما هي ملامح شخصية المسلم في المجتمع ؟وما هي القيم التي يتبنّاها بحيث يكون جديراً برضى الله ،وبالحصول على الموقع الرفيع في الدار الآخرة ؟
إنّ هذه الآيات تقدِّم لنا بعض ملامح تلك الشخصية والقيم الدينية التي تحكمها في الحياة .
{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الذي لا يملك ثباتاً ولا امتداداً ،بل هو مجرد حاجةٍ طارئةٍ لا تلبث أن تزول ،ولذلك كان من الضروري أن لا يعتبر الناس متاع الدنيا أساساً لطموحاتهم في أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم ونظرتهم العامة إلى الحياة ،بل يتعاملون معه من موقعه الحقيقي كشيءٍ يتناوله الإنسان وهو في الطريق .
{وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُواْ} من رضوانه ونعيمه ،فذلك هو الشيء الثابت المستمرّ في خلود الموقع في الآخرة ،ما يفرض على الإنسان أن يعتبره الطموح الكبير أو الوحيد في وجوده الحركيّ فيما يقوم به من حركته المنفتحة على الله وعلى الحياة ،من خلاله ..ولكن ذلك ليس شيئاً يُنالُ بالتمنيات ،بل لا بد من الجهد الفكري والروحي والعملي الذي يبنيعلى أساس مضمونه الذي يلتقي بالحقشخصيته ،ويحركمن خلالهمشاريعه ،ويركز عليه علاقاته ،وهذا ما أشارت إليه الفقرات الآتية:{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فالإِيمان بالله الواحد ،منهجٌ يتسع لكل نشاطات الحياة وتطلعاتها وأوضاعها ،ويوجّه نظرة المؤمن إلى خط الاستقامة الذي يبدأ من الله وينتهي إليه ،بحيث لا يرى إلا الله في كل وجوده ..فهو العنوان لكل علاقةٍ ،وهو الوجه لكل عمل ،وهو الأساس لكل مشروعٍ ،وهو الأمل في كل مستقبلٍ ،وهو الثقة المطلقة والأمان الشامل في كل حالة اهتزازٍ ،أو موقعٍ للخوف .من هنا فإن على المؤمن ،عندما تزدحم حوله المشاكل ،وتقف في وجهه العقبات ،وتشتد في آفاق حياته العواصف ،وتكثر حوله التهاويل ،وتطوف به الحيرة في كل موقف ،أن يتجه إلى الله ،بعد أن يحرك كل الوسائل التي يملكها لتحقيق ما يريد من النتائج ..فيتوكل عليه ،ويسلم أمره إليه ،ثقةً بأنه الولي والمعين والحامي والمدافع عن عباده المؤمنين ضدّ كل ما يختزنه المجهول من مخاوف وتهاويل .
وبذلك يؤكد الإخلاص في الإيمان توكّل المؤمن على الله في شخصيته وحركته الذي يمنحه الثقة بالمستقبل ،من خلال الثقة بالله .