{وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} يأخذون موقع الخلافة في الأرض بدلاً منكم كما تتحدثون ،فإن المسألة ليست بعيدةً عن قدرة الله الذي يستطيع أن يصوّر مخلوقاته بأية صورةٍ ،ويغيِّر ما يشاء كما يشاء ،ولكنه رأىبحكمتهأن يرسل رسله بشراً ليتمّ التفاعل بينهم وبين البشر نظراً للتشابه في الخصائص النوعية التي تلتقي فيها الأفكار والمشاعر والقدرات ،وليمكن للرسول أن يكون في موقع القدوة للآخرين في أوضاعه العملية المتصلة برسالته ،فلا مصلحة في أن يكون الملك رسولاً للبشر ،كما لا مصلحة للبشر في أن يكون رسولاً للملائكةلو كان الملائكة يحتاجون إلى رسول.
وقد فسّر صاحب الميزان الآية بطريقةٍ أخرى فقال: «الظاهر أن الآية متصلةٌ بما قبلها ،مسرودة لرفع استبعاد أن يتلبس البشر من الكمال ما يقصّه القرآن عن عيسى( ع ) فيخلق الطير ويحيي الموتى ،ويكلّم الناس في المهد إلى غير ذلك ،فيكون كالملائكة المتوسّطين في الإِحياء والإِماتة والرزق وسائر أنواع التدبير ،ويكون مع ذلك عبداً غير معبود ،ومألوهاً غير إله ،فإن هذا النوع من الكمال عند الوثنية مختصّ بالملائكة ،وهو ملاك ألوهيتهم ومعبوديتهم ،وبالجملة ،هم يحيلون تلبّس البشر بهذا النوع من الكمال الذي يخصونه بالملائكة .
فأجيب بأن لله أن يزكي الإنسان ويطهره من أدناس المعاصي ،بحيث يصيِّر باطنه باطن الملائكة ،وظاهره ظاهر البشر ،وباطنه باطن الملك يعيش في الأرض يخلف مثله ويخلفه مثله ويظهر منه ما يظهر من الملائكة »[ 1] ..ثم يرد على ما يلتقي بالوجه الذي ذكرناه ،بأنه لا يلائم النظم تلك الملاءمة .
ولكننا نلاحظ أن المسألة المطروحة لدى الوثنيين حول ما يقصّه القرآن ،ليست متصلةً بالجانب الروحي العميق الذي يلتقي بالعصمة من المعاصي وبالطهارة من الأدناس ،بل هي ناشئةٌ من أن الطبيعة البشريةفي ذاتهالا تنسجم مع النبوّة التي هي أمرٌ يتعلق بالأفق الغيبي لله ،لإحساسهم بالعظمة الضبابية تجاه كل الأمور الخفية من الموجودات التي إذا لم يمنحوها الألوهية فإنهم يتحدثون عنها على أساس العلاقة العضوية بالله ،كما قالوا عن الملائكة بأنهم بنات الله ،وكما قالوا أمراً قريباً من ذلك عن الجن ،مما لا يتيسر للبشر الذين يعرفونهمفي نقاط قوتهم وضعفهمبالحسّ المباشر ،أمّا مسألة النظم فقد يكفي فيه أن تكون المسألة واردةً في الأَجواء التي تثيرها رسالة عيسى( ع ) التي تحدثت عنها الآية السابقة على أساس ما جاء في سورة مريم ،وهي مسألة العلاقة بين البشرية والنبوّة ،التي أثاروها ضد النبي( ص ) ،والله العالم .