{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} والحق يمثل الغاية المشتملة على الحكمة في تحقيق التوازن بين الأشياء ،بحيث تضع كل شيء في موضعه وتجعل له هدفاً يحرِّكه في الاتجاه الصحيح ،وهذا ما يدركه العقل الواعي وتقود إليه التجربة العملية التي تلاحق الظواهر الكونية وحركة الحياة والإنسان ،حيث تمثل السنن الكونية والحياتية قوانين تحكم الواقع وكل ما يحدث فيه من أمور بحيث لا تترك مجالاً للصدفة فيها .
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لا يدركون نتائج أعمالهم ،لأنهم لا يتابعون دراسة المقدمات ولا يتحركون ليأخذوا بأسباب العلم ،ليعرفوا كيف يستنبطون منه الحقيقة .
وإذا كان الكون مرتكزاً على قاعدة الحق في كل مفرداته ،فكيف يمكن أن يكون وجود الإنسان عبثاً ،بحيث يوجد ويعدم من دون غاية في نتائج المسؤولية أمام الله ،كما يقول هؤلاء المنكرون للمعاد ..وبذلك نعرف أن الإيمان بالله في مضمون حكمته لا يلتقي بهذا الإنكار من قريبٍ أو بعيدٍ ،وأن دراسة عمق الحق في الكون ،تفرض تأكيد عمق الحق في خلق الإنسان .