{إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ} على التوحيد وساروا على الخط الذي يحدده الإيمان بالله وبربوبيته من منهج فكري وعملي يوحد التصور والشريعة والحركة ،حيث يلتقي الإنسان في كل تلك المواقع بالله ،فلا يلتفت إلى غيره ،ولا ينقاد إلا له ،ولا يلتزم إلا بمنهجه وشريعته وقرآنه .
إن القضية الأساس في الإسلام ،هي قضية التوحيد التي تحتوي الوجود كله ،فهو عقيدة لا تقف حدودها عند حدود اللاّهوت في الأعماق الفلسفية ،بل تدخل في كل شؤون الحياة الخاصة والعامة ،فلا يكون الإنسان توحيدياً إلاّ إذا استقام في هذا الخط في كل دروب الواقع وساحات الصراع ،فلا ينحرف ذات اليمين وذات الشمال ،استجابة لما يدعوه الآخرون إلى الالتزام به ،مما لا يرجع الأمر فيه إلى الله ،فإذا اختزن الإنسان التوحيد الإلهي في عقيدته ،وسار في غير دروب الله في نهجه وشريعته ،لم يكن موحّداً بالمعنى العملي أو الحركي .ولذلك فإن معنى الاستقامة في خط ربوبية الله ،هو الالتزام بالربوبية في كل المواقع التي تتسع لها في الإيجاد والتشريع والتدبير ،بحيث تكون شمولية الإيمان منطلقة من شمولية الله في عمق الوجود وحركته ،فيكون الإيمان كاملاً بذلك في البداية والنهاية وخط السير .
وهذا ما نريد أن يستوحيه المسلم في كلّ واقعه الحركي ،وهو الحصول على الأمن الذي يطرد عنه الخوف والحزن في يوم القيامة ،فيلتزم بالإسلام كله في عقيدته وفي شريعته ،ويبتعد عن كل العناوين والأضاليل والأساليب والوسائل التي لا تقترب من الخط الأصيل للإسلام ،بحيث يراعي الدقة في حكمه على الخطوط الملتوية أو المنحرفة أو الضائعة التي تتحرك من حوله ،ليعيش صفاء الإسلام ،ونقاء الإيمان ،واستقامة التصوّر والمنهج والحركة ،ليكون من هذه الصفوة المؤمنة الطاهرة القريبة من رحاب الله في رضوانه .
وأولئك{فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأنهم أخذوا بأسباب الأمن ،وانفتحوا على مواقع السرور في ما أعدّوه لذلك من مواقف الدنيا وأوضاعها ووسائلها ،