بيعة الرسول بيعة للّه
وكانت البيعة كموقفٍ في ساحة الصراع ،تمثل تعبيراً عن الالتزام الذاتي بتعليمات النبي والثبات معه ،ليؤكد المسلم من خلالها أنه لا يكتفي بالحالة الإيمانيّة التي يعيشها بعقله وقلبه ،ولكنه يضيف إليها ميثاقاً مؤكداً يتمثل بوضع يده بيد النبي{صلى الله عليه وآله وسلّم ) ،تعبيراً عن عقد التواصل مع مسيرته ،وعدم الانفصال عنه تحت تأثير أيّ ظرفٍ من الظروف .
وهذا ما حدث في الحديبية عندما دعا رسول الله أصحابه إلى البيعة على الاستمرار معه ،حتى في مواجهة قريش ،عندما تحين اللحظة المناسبة لمواجهتها بالطريقة المسلَّحة ،ليضمن بذلك القدرة على الضغط نفسياً على قريش ،كونه جاء إليها من موقع القوّة المستمدة من بيعة أصحابه ،لا من موقع الضعف .وقد حدّث جابر بن عبد الله ،في ما روي عنه ،قال: «فبايعنا تحت الشجرة على الموت ،فما نكث إلا حرّ بن قيس[ 1] وكان منافقاً »[ 2] .وقد سميت باسم بيعة الرضوان ،لأن الله رضي عنهم بهذه البيعة .
وفي هدى ذلك ،نستطيع أن نفهم أن البيعة لا تضيف شيئاً جديداً من حيث المسؤولية ،ولكنها تعمّقها في معنى الالتزام الشخصي بالرسالة والرسول .
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بما تمثله البيعة من ميثاق مؤكد في نصرتهم لك في موقع المواجهة للمشركين{إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} لأنك لم تطلب ذلك منهم بصفتك الشخصية ،بل بصفتك الرسالية التي تجعل من كلمتك كلمة الله ،ومن الالتزام بنصرتك التزاماً بالله في نصرة رسوله ،لأن طاعة الرسول هي طاعة الله ،على ضوء ما ورد في الآية الكريمة:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ( النساء: 80 ) ،ما يجعل البيعة أكثر عمقاً في تأثيرها في جانب الالتزام منهم .
يد اللَّه فوق أيديهم
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} فكأنه هو الذي يضع يده فوق أيديهم في ما درجت عليه صورة البيعة ،{فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} لأن البيعة ليست التزاماً في مصلحة الرسول ليكون نكثها إساءةً شخصيةً له ،بل هي التزامٌ لمصلحة المسلمين في الدنيا بانتصارهم على الشرك ،وفي الآخرة بالحصول على رضى الله .
{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ} وتحرَّك في اتجاه تحقيق مضمون العهد في موقفه وأخلص لله أمره ،وحافظ في الساحة على موقعه ،{فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} لأن الالتزام بعهد الله ،يمثل الإيمان القويّ الرافض لكل الإغراءات أو التحديات التي تواجه المؤمنين ،ما يوحي بالإخلاص لله ،والالتزام بعهده ،الأمر الذي يستحق عليه الإنسان المؤمن الأجر العظيم .