وعلى كلّ حال فإنّ القرآن يتحدّث عن مبايعة المسلمين في الآية محلّ البحث فيقول: ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) !
و«البيعة » معناها المعاهدة على اتّباع الشخص وطاعته ،وكان المرسوم أو الشائع بين الناس أنّ الذي يعاهد الآخر ويبايعه يمد يده إليه ويظهر وفاءه ومعاهدته عن هذا الطريق لذلك الشخص أو لذلك «القائد » المبايَع !.
وحيث أنّ الناس يمدّون أيديهم «بعضهم إلى بعض » عند البيع وما شاكله من المعاملات ويعقدون المعاملة بمد الأيدي و«المصافحة » فقد أطلقت كلمة «البيعة » على هذه العقود والعهود أيضاً .وخاصةً أنّهم عند «البيعة » كأنّما يقدّمون أرواحهم لدى العقد مع الشخص الذي يظهرون وفاءهم له .
وعلى هذا يتّضح معنى ( يد الله فوق أيديهم ) ..إذ إنّ هذا التعبير كناية عن أنّ بيعة النّبي هي بيعة الله ،فكأنّ الله قد جعل يده على أيديهم فهم لا يبايعون النّبي فحسب بل يبايعون الله ،وأمثال هذه الكناية كثيرة في اللغة العربية !.
وبناءً على هذا التّفسير فإنّ من يرى بأنّ معنى هذه الجملة ( يد الله فوق أيديهم )هو أنّ قدرة الله فوق قدرتهم أو أنّ نصرة الله أعظم من نصرة الناس وأمثال ذلك لا يتناسب تأويله مع شأن نزول الآية ومفادها وإن كان هذا الموضوع بحدِّ ذاته صحيحاً .
ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلاً: ( فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ){[4537]} .
كلمة «نكث » مشتقة من «نكْث » ومعناها الفتح والبسط ثمّ استعملت في نقض العهد{[4538]} .
والقرآن في هذه الآية يُنذر جميع المبايعين للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ يثبتوا على عهدهم وبيعتهم فمن ثبت على العهد فسيؤتيه الله أجراً عظيماً ومن نَكث فإنّما يعود ضرره عليه ولا ينال الله ضررُه أبداً ..بل إنّه يهدّد وجود المجتمع وكرامته وعظمته ويعرّضه للخطر بنقضه البيعة !.
وقد وردفي كلامعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قوله: «إنّ في النّار لمدينة يقال لها الحصينة ،أفلا تسألوني ما فيها ؟!فقيل له: ما فيها يا أمير المؤمنين ؟!قال: فيها أيدي الناكثين »{[4539]} .
ومن هنا يتّضح بجلاء قبح نقض البيعة من وجهة نظر الإسلام !!وفي هذا المجال هناك بحوث في «البيعة في الإسلام » وحتى «قبل الإسلام » وكيفية البيعة وأحكامها ستأتي بأذن الله في ذيل الآية ( 18 ) من هذه السورة ذاتها !.