/م8
المفردات:
يبايعونك: يعاهدونك على الجهاد والانتصار لدعوتك ،وذلك في بيعة الرضوان بالحديبية .
إنما يبايعون الله: إنما يعاهدون الله ،لأن المقصود من البيعة طاعة الله وامتثال أمره .
يد الله فوق أيديهم: قدرته وقوته فوق قدرتهم وقوتهم ،أو بركة الله ونصرته وتوفيقه فوق أيديهم .
نكث: نقض العهد والبيعة .
فإنما ينكث على نفسه: فإنما يضر نفسه ،ويوردها موارد الهلكة ،فلا يعود وبال نقضه وضرر نكثه إلا عليه .
عليه الله: قرأ الجمهور بكسر الهاء ،وقرأ حفص برفعها لأنها هاء ( هو ) مضمومة ،فاستصحب ذلك كما في: له ،وضربه .
التفسير:
10-{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} .
تتحدث الآية عن بيعة الرضوان ،عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون لأداء العمرة ،فمنعتهم قريش ،وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ليعلم أهل مكة بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأنه جاء معتمرا معظما للبيت ،ولم يأت محاربا ،فاحتبست قريش عثمان ،وأشيع بين المسلمين أن عثمان قد قتل ،فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا نبرح حتى نناجز القوم ) ،واجتمع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأحدقوا به ،والتفوا حوله ،وبايعوه على الموت وعلى ألا يفروا ،وكان عدد المسلمين ألفا وأربعمائة مقاتل أو ألفا وخمسمائة مقاتل ،وقد بايعوا جميعا ،ولم يتخلف أحد من المسلمين عن البيعة ،إلا الجد بن قيس ،فكان جابر رضي الله عنه يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ،قد صبأ إليها يستتر بها من الناس .
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان باطل ،وأن عثمان حي يرزق ،لكن الله سجل أمر هذه البيعة ،وظلت علامة بارزة ،ووساما غاليا ،يذكر لهؤلاء الصحابة تضحيتهم وبيعتهم ،ورغبتهم في نصرة دين الله ،ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وطاعة الله ،والتضحية بالدنيا في سبيل الآخرة وما فيها .
من معاني الآية
عناية الله تعالى وإكرامه ورضاه عن هؤلاء الرجال ،الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ،حتى جعل بيعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي بيعة لله ،فيا للجلال والإكرام في هذا المعنى .
{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ...}
لقد بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة الرضوان ،على الموت وعلى ألا يفروا ،وكانت هذه البيعة للرسول صلى الله عليه وسلم ،وهي أيضا بيعة لله ،على بيع النفس وشراء الجنة ،كما قال سبحانه وتعالى:{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ...} ( التوبة: 111 ) .
وقريب من ذلك قوله تعالى:{فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ...} ( الأنفال: 17 ) .
وقوله سبحانه:{من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} .( النساء: 80 ) .
ثم قال تعالى:{يد الله فوق أيديهم ...}
بركة الله ،وعناية الله ،وتوفيق الله ،وفضل الله ،ورقابة الله ،وقوة الله ،وقدرة الله فوق أيديهم ،بالنصر والرضا والتأييد .
{فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ...}
فمن نقض عهده مع الرسول ،وخان الأمانة ،وعدل عن التضحية والفداء ،أو خان بأي نوع من أنواع الخيانة ،فإنما ضرر ذلك يعود على نفسه ،فهو الخاسر المغبون ،لأنه خسر ما أعده الله لهؤلاء الرجال المبايعين ،الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم البيعة: ( أنتم اليوم خير أهل الأرض ) .
{ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} .
ومن قام بحق البيعة ووفى بها ،وألزم نفسه طاعة الله ،وطاعة الرسول ،وألزم نفسه بهدى القرآن والسنة ،ولزوم الجماعة والأمة ،فله الثواب العظيم ،والأجر الكريم من الله تعالى ،وأنعم به من أجر عظيم .
وفي معنى ذلك قال سبحانه وتعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} .( الفتح: 18 ) .