{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} بما تعنيه كلمة السكينة من طمأنينة وصفاء روحي يدفع النفس إلى التأمّل العميق ،فإن النفس إذا عاشت الصفاء ،انطلقت في أجواء التأمّل بعيداً من دون تكلّفٍ ولا تعقيدٍ .وتلك هي ألطاف الله التي يفيض بها على عباده المؤمنين الذين أخلصوا له العقيدة ،وعاشوا الروحانية بين يديه ،وحرّكوا العمل الصالح في خط رضاه ،{لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ} لأن الإيمان يتأتى عن وضوح الرؤية الذي يفتح للفكر آفاق الاعتقاد به ،وعن صفاء الروح الذي يملأ الوجدان بالمعاني الروحية .وبذلك كان ازدياد الوضوح في حركة التأمّل الفكري ،وامتداد الصفاء في آفاق الروح ،يزيدان في الإيمان ويعمّقانه ،عبر ما يحدثانه من تفاعل بين الفكر والشعور ،وهذا ما يدركه الوجدان ،في ما يحسّه الإنسان في نفسه من تنامي الإيمان ،بتنامي المعرفة والشعور الداخلي من جهة ،والمعاناة الداخلية في الممارسة من جهةٍ ثانيةٍ .
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَواتِ وَالأرْضِ} سواء تمثلوا في الأمور المعنوية من أسباب وقوانين طبيعية أودعها الله في الأرض والسماء ،وحرَّكها من أجل إقامة نظام الحياة كلها ،أو بمخلوقات حيّة متحركة في السماوات والأرض ،التي جعلها الله خليفة عنه في مباشرة الأمور بأسبابها العادية ،وبذلك كان إنزال السكينة في قلوب المؤمنين متأتياً عن تحريك جنوده للموضع بشكلٍ دقيق .
{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} فهو القويّ في عزته ،الحكيم في تدبيره ،الذي يحتوي الكون من مواقع العزة والحكمة ،ليسير في خط الثبات والإحكام ،