مناسبة النزول
جاء في الدر المنثور: عن مقاتل بن حيان ،قال: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبيّة ،فكانت الوحش والطير والصيد يغشاهم في رحالهم ،لم يروا مثله قطّ في ما خلا ،فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون{لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} .
وجاء عن الشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي في التهذيب: عن ابن أبي عمير ،عن حمّاد ،عن الحلبي ،قال: «سألت أبا عبد الله( ع ) عن قول الله عزَّ وجلّ:{لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيء مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} قال: حُشر عليهم الصيد من كل وجه حتَّى دنا منهم ليبلونهم به » .
تركيز الشعور بالغيب وروح السلام
في هذه الآيات حديثٌ عن صيد البر والبحر في حال الإحرام ،في ما يتعلّق بأحكامه الشرعيّة ،وإيحاءٌ بأنَّ التحريم والتحليل في الإسلام ،يعتبران نوعاً من أنواع الاختبار والامتحان للمسلمين ،بالإضافة إلى تعلّقهما بالمصالح والمفاسد ،وذلك لأنَّ الإيمان حالةٌ فكريّةٌ ووجدانيّةٌ في داخل النفس ،يتحرّك فيها الإحساس بالغيب ،في ما يوحيه الإيمان بالله من أجواءٍ غيبيّةٍ لا تتصل بالحس بشكل مباشر ،ولذا ،فهو قد يضعففي بعض الحالاتليعود مجرّد خاطرةٍ من خواطر الفكر ،وعاطفةٍ من عواطف الشعور ،فلا يلتزم بطاعة ،ولا يمتنع عن معصية ،وقد يشتد فيتجسد التزاماً بأوامر الله ونواهيه .لذا احتضن التشريع الإلهي في طياته وجهاً من وجوه البلاء والاختبار ،ليميّز الله الإيمان المائع من الإيمان المستقر .وهذا ما أراد الله بيانه في هذه الآيات ،فقد فرض على الناس في حال الإحرام ،وفي داخل الحرم ،ترك الصيد البري ،مما تناله أيديهم من فراخ الطير وبيضه ،وصغار الصيد ،ومما تناله رماحهم من كبارها ما كان من الوحوش ونحوه ،لأنَّ الله يريد لهم ،من جهةٍ ،أن يعيشوا حالة السلام مع كل شيءٍ حيٍّ حولهم ،وكوسيلةٍ من وسائل تأكيد الإرادة الفاعلة القويّة في ما يأمر به الله تعالى وينهاه من جهةٍ أخرى ،مما يتصل بأمور حياتهم في مطلق الأحوال ،لا سيّما في حال الإحرام بوصفه مظهراً بارزاً من مظاهر الالتزام الاختياري للإنسان بأحكام الله تعالى ،بحيث يشكل منطلقاً من جملة المنطلقات التشريعيّة الأخرى ،كالصوم والصَّلاة ..الخ ،للتقيد التام بهذه الأحكام في كل الأوقات والأحوال والأمكنة