سبب النّزول
جاء في كتاب الكافي وفي كثير من التفاسير أنّه في سنة الحديبية ،عندما قصد رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن معه من المسلمين العمرة وهم محرمون ،صادفوا في طريقهم كثيراً من الحيوانات البرية وكانوا قادرين على صيدها باليد أو بالرمح ،لقد كان الصيد من الكثرة بحيث قيل أنّ الحيوانات كانت تجوس بين الخيام وتمر بين الناس ،الآية الأولى من هذه الآيات نزلت في هذا الوقت تحذر المسلمين من صيدها ،وتعتبر امتناعهم عن صيدها ضرباً من الامتحان لهم .
التّفسير
أحكام الصّيد عند الإِحرام:
تبيّن هذه الآيات أحكام صيد البر والبحر أثناء الإِحرام للحج أو للعمرة .
في البداية إِشارة إلى ما حدث للمسلمين في عمرة الحديبية ،فيقول سبحانه وتعالى: ( يا أيّها الذين آمنوا ليبلونّكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) .
يستفاد من تعبير الآية أنّ الله تعالى يريد إِنباء الناس عن قضية سوف تقع في المستقبل ،كما يظهر أيضاً أنّ وفرة الصيد في ذلك المكان لم يكن أمراً مألوفاً ،فكان هذا امتحانا للمسلمين ،على الأخص إِذا أخذنا بنظر الاعتبار حاجتهم الماسة إلى الحصول على طعامهم من لحوم ذلك الصيد الذي كان موفوراً وفي متناول أيديهم ،إنّ تحمل الناس في ذلك العصر الحرمان من ذلك الغذاء القريب يعتبر امتحانا كبيراً لهم .
قال بعضهم: أنّ المقصود من عبارة ( تناله أيديكم ) هو أنّهم كانوا قادرين على صيدها بالشباك أو بالفخاخ ،ولكن ظاهر الآية يشير إلى أنّهم كانوا حقّاً قادرين على صيدها باليد .
ثمّ يقول من باب التوكيد: ( ليعلم الله من يخافه بالغيب ) سبق أن أوضحنا في المجلد الأوّل من هذا التّفسير في ذيل الآية ( 143 ) من سورة البقرة أنّ تعبير «لنعلم » أو «ليعلم » وأمثالها لا يقصد بها ،أن الله لم يكن يعلم شيئاً ،وأنّه يريد أن يعلمه عن طريق اختبار الناس ،بل المقصود هو الباس الحقيقة المعلومة لدى الله لباس العمل والتحقق الخارجي ،وذلك لأنّ الاعتماد على نوايا الأشخاص الداخلية واستعدادهم غير كاف للتكامل وللمعاقبة والإِثابة ،بل يجب أن ينكشف كل ذلك خلال أعمال خارجية لكي يكون لها تلك الآثار ( لمزيد من التوضيح انظر ذيل الآية المذكورة ) .
والآية في الخاتمة تتوعد الذين يخالفون هذا الحكم الإِلهي بعذاب شديد: ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) .
/خ96