وجاءت الآية الكريمة{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} لتؤكد أنَّ الله جعل للنَّاس الكعبة البيت الحرام ،قياماً للنَّاس في أقطار الأرض ،وهي ملتقى حجّهم وعمرتهم ،وهي منطقة السلام الّتي أراد الله لهم أن يعيشوا فيها الأمن والطمأنينة ،فلا يعتدي أحد على أحد ،ولا يخاف شخص من آخر ،كما جعل الله الحرمة للشهر الحرام ليكون زمن سلام يحفظ للنَّاس حياتهم واستقرارهم في أجواء الأمن والطمأنينة .أمَّا الهدي والقلائد في قوله:{وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} فهما من توابع حرمة البيت .
وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان ملاحظةً جيّدةً حول الغاية من تقرير هذه الحقيقة في هذه الآية ،فقال: «وكان المراد من ذكر هذه الحقيقة عقيب الآيات الناهية عن الصيد ،هو دفع ما يتوهم أنّ هذه أحكام عديمة أو قليلة الجدوى ،فأي فائدة لتحريم الصيد في مكان من الأمكنة ،أو زمان من الأزمنة ؟وأي جدوى في سوق الهدي ونحو ذلك ؟وهل هذه الأحكام إلاَّ مشاكلة لما يوجد من النواميس الخرافيّة بين الأمم الجاهلة الهمجيّة ؟فأجيب عن ذلك بأنَّ اعتبار البيت الحرام والشهر الحرام وما يتبعهما من الحكم ،مبنيٌّ على حقيقة علميّة وأساس جديّ ،وهو أنَّها قيام يقوم به صلب حياتهم »[ 9] .
وكانت الفقرة الأخيرة في الآية:{ذلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيء عَلِيمٌ} للإيحاء بأنَّ الله يعلم ما يصلح من أمور النَّاس وما يفسدها ،من خلال علمه المطلق بما في السماوات والأرض وبكلّ شيء في الكون ،فهو يشرع للحياة وللنَّاس من خلال علمه بكل حاجاتها وحاجاتهم ،ما يؤدي إلى الإذعان لسلامة الأحكام الّتي يشرّعها الله تعالى ،والاطمئنان إلى الحلول الّتي يقدمها للمشاكل الإنسانيّة في شريعته .