{يا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالإنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ} لتنطلقوا إلى خارج ملكه ،بعيداً عن سلطته وتدبيره ،وعن مواقع قوّته ،في ما قد يخيل إليكم من امتلاك قوّة مستقلة عن الله ،ولكن الكون كله ملكه ،فلا تملكون النفاذ منه إلى أيِّ مكان خارج ملكه ،فإذا خُيِّل إليكمفي حالة الغفلة وغيبوبتهاأنكم قادرون على النفاذ إلى خارج السموات والأرض ،بعيداً عن ملك الله وقدرته ،فجربوا ذلك بما لديكم من وسائل القدرة ،{فَانفُذُواْ} فماذا تجدون أمامكم ؟إنها حقيقة الضعف المطلق الذي يمثله وجودكم ،وحقيقة الشمول المطلق لسيطرة الله على الكون كله ،{لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} .فما هو هذا السلطان ،فيما هي القدرة ،وفيما هي طبيعة الوجود ؟
حاول البعض تفسير كلمة السلطان بالعلم عند صعود الإنسان إلى القمر ،على أساس أن هذا الحدث أثبت إمكانية نفاذ الإنسان إلى خارج نطاق الأرض ،وأن الآية لا تنفي إمكان ذلك ،بل تربطه بالسلطان الذي يمثل القوّة التي تفتح كل المواقع العصية المستعصية ..وبذلك يكون هذا الاختراق الإنساني للأرض منطلقاً من إمساك الإنسان بزمام قوّة العلم .
ولكن هذا التوهُّم ناشىءٌ من عدم التدقيق في فهم جوّ الآية التي تريد أن تؤكد شمولية ملك الله للسموات والأرض ،وعدم قدرة الإنسان على النفاذ منهما إلى أفقٍ آخر خارج ملكه وقدرته ،أمَّا استثناء السلطان ،فإن الظاهر أن سياقه سياق التحدي في عدم وجود قدرةٍ على ذلك ،مع ملاحظة أن الحديث هو عن النفاذ من أقطار السموات والأرض ،مضافاً إلى أنّ الآيات التي تتحدث عن استراقّ الشياطين ،الذين هم من الجن ،للسمع على حدود السماء ،تعني اختراق الجن للأرض ؛والله العالم .