ثم تنتقل السورة لتتحدث عن مظاهر الرحمة في الكون التي تتصل بالإنسان{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} فقد خلقهما الله ضمن قوانين ثابتة محسوبة حساباً دقيقاً يلحظ كل حركةٍ ،وكل موقعٍ ،وكل حجمٍ ،وهما في الوقت نفسه يتصلان بعمق حياة الإنسان وكل المخلوقات الحية على الأرض ،ما يجعلها تتكامل معهما في النظام الكوني الدقيق الذي أبدعه الله بقدرته وحكمته ،وقد نحتاج إلى بعض الإطلالة على ذلكفي ما ذكره صاحب ظلال القرآنفي تفسير هذه الآية .
يقول: «إنّ الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال ،ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخاراً يتصاعد في الفضاء ،ولو كانت أبعد منا ،لأصاب التجمّد والموت ما على الأرض من حياة ،والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءاً من مليوني جزء من حرارتها ..وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا ،ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا ،لتبخرت الكرة الأرضية وذهبت بدداً .
وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض ،فلو كان أكبر من هذا ،لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافياً لغمرها بطوفان يعمّ كل ما عليها ،وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطىء مقدار شعرة .
وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض ،لهما حسابهما في وزن وضعها وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرّهيب ،الذي تجري فيه مجموعتنا الشمسية كلها بسرعة عشرين ألف ميل في الساعة في اتجاه واحد نحو برج الجبار ،ومع هذا ،لا تلتقي بأيّ نجمٍ في طريقها على ملايين السنين .
وفي هذا الفضاء الشاسع الرهيب ،لا يختل مدار نجم بمقدار شعرة ،ولا يختل حساب التوازن والتناسق في حجم ولا حركة