ويتطرّق بعد ذلك إلى النعمة الإلهيّة الرابعة والتي هي هبة من هبات الله العظيمة أيضاً ،حيث يقول تعالى: ( الشمس والقمر بحسبان ){[4899]} .
إنّ أصل وجود الشمس من أكبر النعم الإلهيّة للإنسان ،لأنّ العيش في المنظومة الشمسية بدون نور وحرارة الشمس أمر غير ممكن ،وكما بيّنا سابقاً فإنّ كلّ حركة في الكرة الأرضية مصدره حرارة الشمس ،حيث أنّ نمو ونضج النبات والمواد الغذائية أجمع ،بالإضافة إلى سقوط الأمطار وهبوب الرياح ،كلّها ببركة هذه الهبة الإلهيّة .
كما أنّ للقمر دوراً هامّاً في حياة الإنسان ،فبالإضافة إلى أنّه يضيء الليالي المعتمة ،فإنّ جاذبيته هي علّة المدّ والجزر في البحار والمحيطات ،وهي عامل لبقاء الحياة في البحار ،كما أنّها تقوم بدورها في إرواء كثير من المناطق القريبة للسواحل والتي تصبّ الأنهار بالقرب منها .
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ ثبات الانتظام لهاتين الحركتين ( حركة القمر حول الأرض ،وحركة الأرض حول الشمس ) هو السبب في الظهور المنتظم لليل والنهار والسنين والشهور والفصول المختلفة ،وبالتالي فإنّه سبب أساسي لانتظام الحياة الإنسانية وبرمجة الأمور التجارية والصناعية والزراعية ،وإن فقد الانتظام فيها فسوف تضطرب الحياة البشرية وتختلّ الكثير من مرتكزاتها .
وليس لحركة هذين الكوكبين نظام دقيق جدّاً فحسب ،بل إنّ مقدار كثافة وجاذبية ومسافة كلّ منهما عن الأرض هي الأخرى محسوبة بدقّة وحساب ( وحسبان ) .
ومن المؤكّد أنّ اختلال كلّ واحدة من هذه الأمور سيولّد إختلالات عظيمة في المنظومة الشمسية ،ومن ثمّ في النظام الحياتي للبشر .
والعجيب هنا أنّ هذه الأجزاء عندما انفصلت من الشمس كانت في حالة من الاضطراب والفوضى ،إلاّ أنّها ثبتت واستقرت أخيراً بالشكل الحالي ،حيث يقول في هذا المجال أحد علماء العلوم الطبيعيّة:
«وجدت منظومتنا الشمسيةفي الظاهرمن مخلوط من مواد متنوّعة وعناصر مختلفة انفصلت عن الشمس بدرجة حرارية عالية تبلغ ( 000/12 ) درجة وبسرعة فائقة تناثرت في الفضاء الواسع .
وبالرغم من هذا الاضطراب الظاهري فقد لوحظ الانتظام الدقيق والترتيب المنسّق بحيث أنّنا نستطيع أن نتنبّأ بالحوادث المستقبلة حتّى بالدقائق واللحظات ،ونتيجة لهذا النظام والترتيب نلاحظ أنّ الأوضاع الفلكية هذه باقية على هذا الحال مدّة ألف مليون سنة »{[4900]} .
والجدير بالذكر أنّ الشمس بالرغم من أنّها في وسط المنظومة الشمسية وتبدو ساكنة وثابتة ،إلاّ أنّها مع جميع كواكبها وأقمارها تسير في وسط المجرّة المتعلّقة بها إلى نقطة معيّنة ( تسمّى هذه النقطة بنجمة فيكا ) وهذه الحركة لها أيضاً نظام وسرعة معينان .
/خ6