{وَالسَّمَآء رَفَعَهَا} في هذه الأكوان الهائلة ،التي تتمثل لمن هم في الأرض ،كما لو كانت سقفاً مرفوعاً مرصَّعاً بالمزينات الكواكبية ،ليحدّقوا فيها ويتأمَّلوا كيف تتماسك في ذاتها ،وبالأجرام التي تصل إلى ملايين الملايين فيها ،فلا يصطدم أي منها بالآخر ،بل يدور كل واحد منها في فلكه الخاص ،في مجموعات متعدّدةٍ قد يبلغ عدد المجموعة منها ألف مليون نجم ،كما يقال ،ثم ليتطلع الإنسان إلى العوالم الخفية في السماء المفتوحه على كثير من الأسرار الدقيقة التي تنقله بعقله وفكره إلى عالم الغيب ،ليجتمع له في تطلّعاته التأمّلية في السماء الكثير الكثير مما يفتح عقله على معرفة الله ،ويطلق عنان روحه لتمتد في آفاق عالم الغيب .
{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} الذي يرسم للحياة وللناس حدود الأشياء وموازينها بطريقة دقيقة لا تنحرف بالتصوّر عن الاستقامة في الفكر والحكم والقيمة ،لأن الوحي الإلهي وضع قاعدة لتقدير القيم والقضايا والأفكار تضبط ذلك كله وتحدد خطوط السير في كل المواقع التي يريد الله للإنسان أن يتحرك فيها .وهكذا يمتد الضبط الإلهي إلى العلاقات الإنسانية أيضاً التي جعل الله لها حدوداً ،ووضع العدل ميزاناً لها ،بحيث لا تخضع لهوى ،ولا يحركها انفعال ،بل تلتقي على قاعدة التوازن التي خلق الإنسان على أساسها في لقاء الجوانب المتعددة في شخصيته على أساس التكامل والتداخل .وقد تكون مسألة الوضع للميزان شاملةً للضوابط الكونية التي أدخلها الله سبحانه في تكوين الأشياء ،وفي نظام المخلوقات ،بحيث راعى فيه التوازن بينها ،فلا يطغى جانبٌ على جانب ،ولا موجودٌ على موجود ،فيمكن للموجودات أن تتحرك في عناصرها وخصائصها في حركة بعضها البعض ،ولكنها تقف في حدود وجودها عند أساسٍ معيّنٍ .