{وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ} قد نلاحظ أن الخطاب للمؤمنين الذين آمنوا بالله والرسول ،فكيف كان الرسول يدعوهم للإيمان بربهم ؟وربما يجاب عن ذلك أن المقصود بالإيمان بربهم هو الإيمان العملي الذي يتحول إلى حالةٍ وجدانيةٍ شعورية ،تتمثل في الانسجام مع أوامره ونواهيه ،وفي الرغبة في الحصول على رضاه ،من خلال الإحساس الوجداني بحضوره المهيمن على الكيان كله وعلى الوجود كله ،لأن الإيمان الذي لا يصدقه العمل ،قد يكون مجرد صورةٍ في الفكر ،وفيما هي المعادلة العقلية الباردة التي لا تحمل في داخلها أية حرارةٍ في حركة الوجدان والشعور ،ما قد يجعل اليقين أشبه شيء بالشك ،كما جاء في حديث الإمام الصادق ( ع ) عن الموت: «ما خلق الله عز وجلّ يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت »[ 1] ،والله العالم .
الإيمان عهد بين الله وبين عباده
{وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} فإن الإيمان بالله عهدٌ بين الله وبين عباده ،لأن الالتزام بالتوحيد في قاعدته الفكرية يفرض الالتزام بالحركة في خطّه والاستقامة على دربه ،في قاعدته العملية في السير على هدى الشريعة في أحكامها ومنهج العقيدة في وسائلها وأهدافها .وعلى ضوء ذلك ،قد يحتاج الإنسان المؤمن إلى وعي المسألة في معنى الميثاق الإيماني ،ليمنعه ذلك من إعطاء أيِّ ميثاق لأي إنسان أو جهة ،في أيِّ التزامٍ بعيدٍ عن التزام الإيمان الفكري ،لأن ذلك يعني الخيانة للميثاق والنقض للعهد ،لأن القضية ليست من القضايا الجزئية التي تتجمد في زاوية معينةٍ من زوايا الفكر أو مواقع العمل ،بل هي من القضايا الكلية التي تستوعب الحياة كلها في معناها الحركي في وجود الإنسان .