{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي}،كيف نتصوّر هذه الغلبة ،هل هي الغلبة في الحجة ،في ما تمثله حجة الإيمان من قوةٍ ،وفي ما تختزنه حجة الكفر من ضعفٍ ،أو هي الغلبة في الإسناد الغيبي ،في ما يؤيد الله به رسله من إنزال الآيات المعجزة ،أو إنزال العذاب على المكذبين من الكافرين والمشركين ،أو هي الغلبة في ساحة الصراع في حركة القوة ،لتكون الغلبة للمؤمنين على الكافرين في تأكيد الوجود الإيماني في عقائد الناس ،وفي حركتهم العملية في خطوطه التشريعية ؟ .
قد يكون الظاهر من الآية إرادة الغلبة بكل هذه المعاني ،في ما يريد أن يؤكده من غلبة المؤمنين على الكافرين في كل مواقع الصراع .
كيف نفهم غلبة الله ورسله ؟:
وقد يثير البعض بعض علامات الاستفهام حول مسألة الغلبة في الواقع ،لما نلاحظه من سيطرة الكفر على الإيمان في قوّته العملية ،لما يملكه من وسائل القوة المدمرة الساحقة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة ،مما لا يملك الإيمان إلا القليل القليل منه،فكيف نفسر ذلك ؟ .
والجواب عن ذلك أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالغلبة هنا هو انتصار الإسلام على الكفر ،على صعيد النتائج العملية ،عندما يفشل الكفر في محاولاته الكثيرة في إبعاد الإسلام عن الواقع الفكري والعملي ،فيندفع الناس إلى الإيمان به ،واعتناق أفكاره ،والتزام مناهجه وشرائعه ،ليسقط الكفر في ساحة الصراع ،فلا يستطيع القضاء على الإيمان والمؤمنين .وهكذا رأينا القضية تتجسد في الموقف القوي للإيمان ،ثم يعود الصراع من جديد ،وهكذا يستمر التحدي ،وينطلق الإيمان ،وينزل الله غضبه على الكافرين ويدخل الناس في دين الله أفواجاً .
وهكذا تكون الغلبة باستمرار الإيمان قوةً تفرض نفسها على الفكر وعلى الواقع ،من دون أن يستطيع الآخرون إبعادها عنه ،ما يجعل من الغلبة غلبةً على إرادة الكفر في إسقاط الرسالات ،ليبقى للإسلام دوره وقوته .ثم تمتد الحياة ليكون الدين كله لله في نهاية المطاف .
{إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ،فهو الذي يحرك قوته على أساس الحكمة ،ويؤكد عزته في هيمنته على الأمر كله ،في نطاق القوانين التي وضعها للحياة وللإنسان بحكمته ،مما لا يجعل من إفساح المجال لبعض قوى الكفر مظهر ضعف أو انتقاصٍ من عزة الله وقوته ،بل يكون ذلك من تقدير الله وتدبيره ،في ما أراده من حركة الاختلاف بين الناس ،من خلال حكمته .