ضعف الإنسان المطلق أمام قوة الله المطلقة
ويخشع الوجود بكل قواه ،وبكل مظاهره ،وينطلق في رحاب الله ،فلا يجد إلا الضعف المطلق أمام القوة المطلقة ،المهيمنة عليه ،القاهرة له ،فكل ما في الوجود مملوك له ،محتاج إليه ،فلا يملك مع الله شيئاً في قليلٍ أو في كثير .{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ويلاحظ استعمال كلمة{فَوْقَ} للإيحاء بالهيمنة والسيطرة تماماً ككل شيء فوق أيّ شيء آخر ،وذلك بدلاً من كلمة «القاهر لعباده » لأنها لا تعطي مثل هذا الإيحاء الذي تفرضه طبيعة الحاجة إلى حشد الجو النفسي بالسيطرة المطلقة لله ،{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} فلا يتصرف في قدرته القاهرة من موقع السيطرة ،بل من موقع الحكمة التي يحيط بمواقعها ومصادرها في الحياة وفي الإنسان ،لأنه الخبير بما خلق ومن خلق ،تعالى شأنه عن كل المخلوقين .
ومن الطريف أن البعض ممن لا يفهمون أساليب البلاغة في التعبير حاولوا أن يستفيدوا من هذه الفقرة:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الفوقية المكانية التي توحي بالتجسد لله ،باعتبار أنه يجلس في المكان الأعلى الفوقي بالنسبة إلى عباده .
ولكن التأمل الفنّي البلاغي يدل دلالة واضحة على أن الآية واردة في مقام تأكيد السلطة المطلقة لله على العباد من خلال هذه الفوقية المعنوية السلطوية التي تمثل القاهرية الشاملة ،تماماً كما هي قاهرية «الفوق » على «التحت » من خلال إشرافه وتسلّطه عليه بما يملكه من قدرة الإطباق ،وهو ظاهر .