الله وحده كاشف الضرّ
ويتصاعد الإيحاء القرآني للإنسان بالحاجة إلى الله ،ليحس بذلك في حياته اليومية ،في ما يصادفه من مشاكل وآلام وأضرار ،وليرجع إليه ويستعين به في إيمان عميق مستغرق في عظمته ،صادقٍ في مشاعره ،واثقٍ بأن الله هو الذي يكشف عنه الضر الذي يصيبه من خلال طوارىء الحياة المسيّرة بقدرته ،المتحركة بحكمته ،فلا كاشف له إلا هو .
ثم يتطلع إلى كل مواقع الخير في الحياة ،في داخل ذاته وخارجها ،ويتلفّت إلى كل من يقومون بأعمال الخير في ما يعطون ،وفي ما يمنعون ،وفي ما يقومون به من أعمالٍ وخدمات ،ثم يحدّق في الآفاق الرحبة للروح ،فيجد أنهم لا يمثّلون أيّة استقلاليةٍ في حياتهم وفي نشاطهم ،بل كل ما هناك ،أنهم أدوات بيد الله يسخرها كيف يشاء ،فلا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً إلا بإرادته .وبذلك كانت أجواء الخير بيد الله ،فلا يملكها إلا هو كما لا يكشف الضر إلا هو:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ} .
وما يجدر ملاحظته هنا ،هو أن الله تحدّث في مواقع الضرّ عن أنه الوحيد القادر على كشفه ،بينما تحدّث في مواقع الخير عن قدرته المطلقة ،وربما كان السبب في ذلك أن تطلعات الإنسان في حالات الضرّ تتجه نحو الخلاص ،وذلك بقصد من يملك بيده سبيل الخلاص .أمّا في حالات الخير فإنه يتطلع إلى الزيادة والاستمرار في ما يعيشه من هناء وراحة ،فيناسب ذلك الحديث عن القدرة التي تملأ نفسه بالثقة بالمستقبل الخيّر في ظلال القدرة التي تملك أمر ذلك كله .