هو القاهر فوق عبادة
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} لما تحمله السيطرة المطلقة والقدرة الشاملة من هيمنةٍ قويّة لا يملك الناس معها أيّة إرادةٍ أمام إرادته ،فهم مقهورون بفعل امتداد وجودهم منه وحاجتهم إليه ،فمنه يستمدّون القوّة ،لأنهممنهيستمدون حركة الحياة ،وبهذا تفرض الفوقية معناها الضاغط المسيطر ،في ما يعطيه القهر من معنى انسحاق المقهور أمام إرادة القاهر .
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} يحفظونكم من كل أسباب الموت ،أو يحفظون أعمالكم في الكتاب الذي يقدمونه غداً بين يدي الله ..وتستمر عمليّة الحفظ ما استمرت الحياة بالناس ،{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} وانتهى أجله المحدّد له{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} الذين أوكل الله إليهم القيام بهذا الدور ،{وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} في مسؤوليتهم وفي دورهم الذي أراده الله لهم في أمور الموت والحياة .ولا يملك الإنسان شيئاً أمام ذلك ،فهو مسيّرٌ في أصل وجوده ،فلا اختيار له في عمليّة الخلق ،وهو مسيّرٌ في انتهاء وجوده ،فلا اختيار له في عمليّة الموت ،وهو محكوم بعمله ،فلا بد له من أن يقدّم العمل الذي يرضي الله في الدنيا والآخرة .
بين الحفظة والموت
3في آية:{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} ما المراد من الحفظة ؟هل هم الحفظة على الأعمال الذين أشار الله إليهم في قوله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَاماً كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [ الانفطار:1012] ،أو هم الحفظة الذين أوكل إليهم أمر حماية الإنسان من الأخطار والآفات والمصائب التي تهدد حياته أو تسبب له الأمراض والبلايا ،فهؤلاء هم الذين يحفظونه من ذلك كله بأمر الله ،بطريقةٍ خفيّة أو بوسائل غيبية ؟ربما كان الوجه الثاني أقرب إلى السياق من خلال قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} فإن الظاهر أن الحفظ يستمر من قِبَل هؤلاء إلى المدئ الذي يبلغ فيه الإنسان أجله ،فإذا جاء أجله كانت مهمة رسل الموت أن تتوفّاه وتقبض روحه ،والله العالم .
أمَّا نسبة الوفاة إلى الرسل فهي كنسبتها إلى ملك الموت ،كما جاء في قوله تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [ السجدة:11] وذلك من حيث الجانب الآلي للوفاة ،لأنهم هم الذين يتولون التنفيذ العملي للمهمة بوسائلهم الخاصة التي أعطاهم الله إياها ،ولكن العمق في مسألة الوفاة يتصل بالله سبحانه ،فهووحدهالقادر على ذلك والمقدّر له ،كما جاء في قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [ الزمر:42] .
أما قوله تعالى:{وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} فالمقصود أنهم لا يتساهلون في تنفيذ المهمة الموكلة إليهم ،لأنهم{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ومن الممكن أن يكون هؤلاء أعوان ملك الموت الذي وكل بقبض الأرواح مما تلتقي النسبة إليه بالنسبة إليهم .