المفردات:
القاهر: الغالب .
توفته: قبضت روحه .
التفسير:
61- وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليهم حفظة حتى إذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون .
تصور الآية قدرة الله وهي فوق جميع القدر .
فهو سبحانه صاحب السلطان القاهر ،وهم تحت سيطرته وقهره ،هم ضعاف في قبضة هذا السلطان لا قوة لهم ولا ناصر ،هم عباد والقهر فوقهم .وهم خاضعون له مقهورون .
وهذه هي العبودية المطلقة للألوهية القاهرة .
إن الله تعالى هو الغالب على عباده والمتصرف فيهم إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة ،وتعذيبا وتنعيما إلى غير ذلك من شؤون القهر والسلطان: لا يشركه فيها شريك ولا يرده عن مراده أحد .
ويرسل عليهم حفظة أي: ويرسل عليكم ملائكة تحفظ أعمالكم وتحصيها ،وتسجل ما تعملونه من خير أو شر .
قال تعالى: وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين .( الإنفطار: 10 ، 11 ) .
وقال سبحانه: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .( ق: 18 ) .
وجاء في كتاب الجوهرة ، وهي منظومة فنية في علم التوحيد:
بكل عبد حافظون وكلوا وكاتبون خيرة لن يهملوا
من امره شيئا ولو ذهل حتى الأنين في المرض كما نقل
وتفيد الآية رقابة الحق سبحانه على كل نفس ،وشعور النفس بأنها غير منفردة لحظة واحدة ،وغير متروكة: لذاتها لحظة واحدة ،فهناك حفيظ عليها رقيب يحصي كل حركة .
قال الزمخشري في تفسير الكشاف:
فإن قلت إن الله تعالى غني بعلمه عن كتابة الملائكة .فما فائدتها .
قلت فيها لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن الله رقيب عليهم ،والملائكة الذين هم أشرف خلق موكلون بهم يحفظون عليهم أعمالهم ،ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في موقف القيامة ،كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد عن السوء ( 98 ) .
حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون .أي حتى إذا احتضر أحدكم ،وحان أجله قبضت روحه ملائكتنا الموكلون بذلك حال كونهم لا يتوانون ولا يتأخرون في أداء مهمتهم .
نقل الدكتور محمد سيد طنطاوي عن حاشية الجمل ما يأتي:
قال الجمل:
فإن قلت إن هناك آية تقول: الله يتوفى الأنفس حين موتها .وثانية تقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون .
والآية التي معنا تقول توفته رسلنا .
فكيف الجمع بين هذه الآيات ؟
فالجواب على ذلك أن المتوفي في الحقيقة هو الله ،فإذا حضر أجل العبد أمر الله ملك الموت بقبض روحه ،ولملك الموت أعوان من الملائكة ،فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده ،فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت نفسه ،فقيل المراد من قوله توفته رسلنا .ملك الموت وحده ،وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيما له ( 99 ) .