المفردات:
يتوفاكم بالليل: التوفي لغة ؛قبض الشيء بتمامه ،وأكثر ما يستعمل فيه قبض الروح .والمراد منه هنا: الإنامة ؛أي ينيمكم في الليل .
جرحتم: كسبتم .
يبعثكم: يوقظكم .
أجل مسمى: وقت محدد لكل واحد ينتهي إليه عمره .
التفسير:
56- وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون .هذه الآية امتداد لسعة القدرة الإلهية فهو سبحانه عالم الغيب ،وهو سبحانه بيده الخلق والأمر والإيجاد والعدم والموت والحياة .
والإنسان له موتتان صغرى وكبرى فالصغرى النوم والكبرى الموت .
( والنعاس صورة من صور الوفاة ،بما يعتري الحواس من غفلة وما يعتري الحس من سهوة ،وما يعتري العقل من سكون ،وما يعتري الوعي من سبات – أي انقطاع – وهو السر الذي لا يعلم البشر كيف يحدث ،وإن عرفوا ظواهره وآثاره ) ( 97 ) .
ويعلم ما جرحتم بالنهار .فهو سبحانه مطلع على جميع حركاتكم وسكناتكم ويعلم ما كسبت جوارحكم من الخير والشر .
ثم يبعثكم فيه .أي في النهار يعني اليقظة .
ليقضى أجل مسمى .لأجل أن يقضي كل فرد أجله المسمى في علم الله تعالى والمقدر له في هذه الدنيا ،فقد جعل سبحانه لأعماركم آجالا محدودة لابد من قضائها وإتمامها .
ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون: أي: ثم إليه وحده يكون رجوعكم بعد انقضاء حياتكم في هذه الدنيا فيحاسبكم على أعمالكم التي اكتسبتموها فيها ،إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
فالآية الكريمة تسوق للناس مظهرا من مظاهر قدرة الله و تبرهن لهم على صحة البعث والحساب يوم القيامة ،لأن النشأة الثانية منزلتها بعد الأولى كمنزلة اليقظة بعد النوم في أن من قدر على أحدهما فهو قادر على الأخرى .
مما يتعلق بهذه الآية ما يأتي:
1- قال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ويمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .( الزمر: 42 ) .
تفيد هذه الآية أن هناك وفاتان ،وفاة صغرى بالنوم ووفاة كبرى بالموت ،وتجتمع أرواح النائمين وأرواح الميتين في فترة نوم النائم ،والله تعالى يمسك روح الميت عنده ويرسل روح النائم إلى أجل مسمى ،إلى وقت انقضاء أجله .
2- تخصيص الليل بالنوم والنهار بالكسب ،جريا على المعتاد لأن الغالب أن يكون النوم ليلا وأن يكون الكسب والعمل نهارا قال تعالى: وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا .( النبأ: 10 ، 11 ) .