( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ) .
الضمير يعود على الله تعالى ذي الجلال وهو سبحانه الذي يتوفاكم بالليل والمراد إنامتكم ولم يعبر بتسكنوا في الليل وهو يتضمن معنى النوم لأن السياق لبيان قدرة الله تعالى وسلطانه عليهم وكونهم في قبضة يده ، وأنه يحصى عليهم أعمالهم فكان التعبير بالوفاة عنه أنسب والنوم يعتبر من قبيل الوفاة كما قال تعالى:( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . . .42 ) الزمر . فالموت الأكبر هو قضاء النحب ، والموت الأصغر هو النوم ، ولقد شبه النبي صلى اله عليه وسلم عند إنذار عشيرته بأمر ربه:( والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وانها لجنة أبدا ، أو لنار أبدا ){[1020]} .
وقوله:( ويعلم ما جرحتم بالنهار ) الجرح هو اصابة الأعضاء والأجسام بما يدميها ويطلق على الكسب والمراد هنا الكسب خبيثا أو طيبا وسميت سباع البهائم جوارح ، لأنها تجرح وتكسب قوتها بجراحتها وسميت الأعضاء العاملة في جسم الإنسان جوارح لأنها هي التي تكسب ، وهي التي تجرح والمراد والله تعالى أعلم:أن الله تعالى يعلم ما جرح الناس بالنهار فيعلم خفايا نياتهم في أعمالهم ويعلم ما يكسبون من خير وشر ، ويعلم ما يخفون وما يبدون وفي ذلك إنذار وتبشير فهو إنذار لمن يكسبون الشر وتبشير لمن يكسبون الخير ، واحسب أن استعمال ( جرحتم ) الذوق البياني يجعلها أقرب إلى استعمال الشر ، ولكن الأولى هو التعميم والله سبحانه وتعالى أعلم بالمراد .
وقوله تعالى:( ثم يبعثكم فيه ) الضمير يعود الى النهار ، ويكون الكلام متصلا بالتوفى بالليل فالسياق يتوفاكم بالليل ، ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم في النهار بعد الليل ولذلك قال الشوكاني في تفسيره:إن الضمير يعود إلى الليل لابتداء النهار والمؤدى واحد ، وان كان ثمة اختلاف في توجيه السياق والإعراب وكان التعبير ب ( ثم ) لتفاوت ما بين مظهر الليل ومظهر النهار ، والتفاوت ما بين أعمال النهار وأعمال الليل .
إن تداول الليل والنهار مستمر ، فليل يعقبه نهار ، ونهار يعقبه ليل لنهاية واحدة ، وهو قضاء أجل مسمى عند الله تعالى:وإن كان لا يعلمه إلا الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى يقول:( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ34 )
( لقمان ) .
( ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ) إنه بعد أن يقضي الأجل المسمى يكون المرجع إلى الله وحده ، فلا سلطان لغيره ولا يرجع إلى أحد سواه ودل على هذا القصر تقديم الجار والمجرور فإنه دل على القصر والتعبير ب ( ثم ) لأن هناك تفاوتا زمنيا بمقتضى الأجل المسمى الذي يطول ويقصر ولتفاوت ما بين ما يكون في الحياة الدنيا من لهو وعبث وتفاخر وتقوى أحيانا ثم قال سبحانه:( ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) والتعبير ب ( ثم ) أيضا لتفاوت ما بين الحياتين وليتبين الإخبار بالعمل العظيم وإخبار الله تعالى بما كانوا يعملون يتضمن أمرين:أولهما:أن العمل يكون مبنيا لهم كأنه حاضر أمامهم يشاهد ويبصر لا يخفى منه شيء صغيرا أو كبيرا . وثانيهما:الجزاء عليه وسمى جزاء عمل العامل عملا لهن لأن الجزاء عادل مساو لاستحقاقه كأنه هو فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
وبعد أن بين سبحانه بكل شيء وبكل إنسان وأن لكل جزاءه على قدر عمله . بين قدرته القاهرة فقال تعالى: