{فَلَمَّآ رَأَى الْقَمَرَ} في صفاء الليل ،ووداعة السكون ،وكان الشعاع الفضي الساحر يلقي على الكون دفقاً من النور الهادىء الذي يتسلل إلى العيون فيوحي إليها بالخدر اللذيذ ،ويخترق القلوب فيوحي إليها بالأحلام الساحرة ،ويطل على الطبيعة فيغلّفها بغلافه الشفّاف الوادع الذي يثير في آفاقها الكثير من الأحلام ،وبدأت المقارنة بين ذلك النور الكوكبيّ الذي يأتي إلينا متعباً واهناً في جهد كبير ،وبين هذا النور القمري الذي يتدفق كشلاّل في قلب الأفق ،فأين هذا من ذاك ،فهذا هو السرّ الإلهي الذي كان يبحث عنه ،{قَالَ هَذَا رَبِّي} وعاش معه في حالةٍ روحيةٍ من التصوّف والعبادة لهذا الربّ النورانيّ الذي يتمثل في السماء قطعةً فضيّة من النور الهادىء الساحر ،وفجأة بدأ الشعاع يبهت ،ثم يغيب ،وانطلقت الحيرة في وعيه من جديد ..أين ذهب الإله وأين غاب ؟وهل يمكن للإِله أن يغيب ويأفل ؟وضجّت علامات الاستفهام في روحه تتساءل من هو الإله ؟وأين هو ؟وعاش في التصور الضبابيّ المبهم الغارق في الغموض يتوسل بالربّ الذي لا يعرف كنهه ،أن يهديه سواء السبيل لئلا يضل ويضيع ..{فَلَمّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ} وما زال ينتظر وضوح الحقيقة .