{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} في صرخة الإنسان الطيّب الساذج الذي خُيل إليه أنه اكتشف السرّ الكبير الذي يبحث عنه كل الناس ،كما لو لم يكتشفه أحدٌ غيره ،وكأنّه أقبل إليه في خشوع العابد ،وفي لهفة المسحور ،وفي اندفاعة الإيمان ،وربما ردّد هذه الكلمة{هَذَا رَبِّي} ليوحي لنفسه بالحقيقة التي اكتشفها بعيداً عن كل حالات الشك والريب ،وبدأ الليل يقترب من نهايته ،وبدأت الكواكب تشحب وتفقد لمعانها ،ثم بدأت تبهت وتبهت حتى غابت عن العيون ،وحاول أن يلاحقها هنا وهناك ،لقد ضاع الإله في الأجواء الأولى للصباح ،وانكشفت له الحقيقة الصارخة ،فقد كان يعيش في وهمٍ كبير ،لقد أفل الكوكب ،ولكن الإله لا يأفل ،لأنه القوّة التي تمثل الحضور الدائم في الحياة كلها ،فلا يمكن أن تبتعد عن حركتها المتنوعة ،لأن ذلك يتنافى مع الرعاية المطلقة للكون ولما فيه من موجودات حيّةٍ وغير حيّة ،واهتزت قناعاته من جديد ،وبدأ يسخر بالفكرة:{فَلَما أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} .