وفي الصورة الثانية نشاهد إبراهيم( ع ) يتطلع إلى السماء ،كما لو كان قد شاهدها أوّل مرة ،فهوفي ما توحيه الآيةيواجهها كتجربةٍ جديدة لم يلتقِ بها من قبل ،وذلك في ما تعنيه التجربة من المعاناة في حركة الحسِّ البصري كمادّة للتفكير ،للانتقال من المحسوس إلى المعقول ،ومن المادّة إلى المعنى .فقد كان يشاهدها سابقاً في رؤيةٍ جامدةٍ لا تعني له شيئاً ،إلا بمقدار ما يعنيه انعكاس الصورة في العين ،لمجرّد تجميع الصور في الوجدان ،في ما يلتقي به الإنسان من مألوفاته العادية في حياته اليوميّة ،وهكذا نجد أن الرؤية التي يتحدث عنها القرآن في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ وَالأرْضِ} هي الرؤية الواعية الفاحصة المدققة التي تثير في النفس المزيد من التأمّل والحوار والاستنتاج ،بدليل قوله تعالى:{وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ما يوحي بأنها الرؤية التي تبعث على القناعة واليقين .
وأخذ يستعرض عقلياً عقائد قومه في عبادتهم للكواكب وللقمر والشمس ،وهكذا التقى بالكواكب المتناثرة في السماء ،في صورةٍ بديعةٍ في روعة التنسيق والتكوين ،فما إن لمح كوكباً يتلألأ ويشعّ في قلب هذا الظلام المترامي ،حتى سيطرت عليه أجواء الروعة ،واستولى على فكره الخشوع الروحيّ أمام هذا الشعاع الهادي في الأفق البعيد ،فخيّل إليه أن هذا هو الإله العظيم الذي يتعبد الناس إليه ،لأن الفكرة الساذجة تجعله في الأفق الأعلى البعيد ،الذي تتطلع إليه الأبصار برهبةٍ وخشوع ،ولا تستطيع الخلائق أن تصل إليه أو تدرك كنهه .