وقوله:( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ) أي:نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله ، عز وجل ، في ملكه وخلقه ، وإنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كقوله ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) [ يونس:101] ، وقال ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ) [ الأعراف:185] ، وقال ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) [ سبأ:9] .
فأما ما حكاه ابن جرير وغيره ، عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم قالوا - واللفظ لمجاهد -:فرجت له السموات ، فنظر إلى ما فيهن ، حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع ، فنظر إلى ما فيهن - وزاد غيره -:فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي فيدعوا عليهم ، فقال الله له:إني أرحم بعبادي منك ، لعلهم أن يتوبوا ويراجعوا . وقد روى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين ، عن معاذ وعلي [ بن أبي طالب] ولكن لا يصح إسنادهما ، والله أعلم . وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله:( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) فإنه تعالى جلا له الأمر ; سره وعلانيته ، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله:إنك لا تستطيع هذا . فرده [ الله] - كما كان قبل ذلك - فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره ، حتى رأى ذلك عيانا ، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه ، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدلالات القاطعة ، كما رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ، عن معاذ بن جبل [ رضي الله عنه] في حديث المنام:"أتاني ربي في أحسن صورة فقال:يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت:لا أدري يا رب ، فوضع كفه بين كتفي ، حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ، فتجلى لي كل شيء وعرفت . . . "وذكر الحديث
وقوله:( وليكون من الموقنين ) قيل:"الواو "زائدة ، تقديره:وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليكون من الموقنين ، كقوله:( [ وكذلك] نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) [ الأنعام:55] .
وقيل:بل هي على بابها ، أي نريه ذلك ليكون عالما وموقنا .