وهذه صورة من صور التآمر العلني الذي كانوا يحركونه في مجالسهم العائلية أو في الحالات التي يشعرون فيها باليأس من وصولهم إلى غاياتهم النفاقية ،فينفّسون ببعض الكلمات الحادة عن العقدة الخبيثة الكامنة في نفوسهم .
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ} وهذا لونٌ من ألوان الحرب الاقتصادية التي كان المنافقون يعملون على التخطيط لها لإبعاد المؤمنين المحيطين بالرسول عنه ،وذلك بالإيعاز إلى الأغنياء الذين ينفقون على المهاجرين أو غيرهم من المسلمين المستضعفين ليمتنعوا عن الإنفاق عليهم ،ولكنّ الله سبحانه يردّ على هؤلاء بأن الله لم يجعل مصادر الرزق الذي يمد به عباده المؤمنين محصورةً في موردٍ خاصٍ ،أو في جماعاتٍ معينةٍ ،ليعيشوا المشكلة القاتلة في حياتهم العامة عندما يغلق عنهم هذا الباب أو ذاك .
{وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} التي تتسع للخلائق كلهم ،فلا تضيق عن أحدٍ ،ولا تنفذ مواردها مهما امتدت في موارد الحياة كلها ،وتلك هي الحقيقة الإيمانية التي تفرضها الألوهية المطلقة المهيمنة على الأمر كله ،وعلى الخلق كلهم .{وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ} لاستغراقهم في عقدة النفاق التي تحجب عنهم حقائق العقيدة والحياة ،فلا يملكون الانفتاح على الله في آفاق غناه وقدرته المطلقة .
وقد نستوحي هذا الموقف في جميع المواقع التي يهدد فيها الكثيرون من الكافرين والظالمين ،العاملين والمجاهدين بالضغط الاقتصادي ،كعقوبةٍ على بعض المواقف الإسلامية والجهادية التي يقفونها في ساحات العمل والجهاد ،فقد ينبغي للمؤمنين الواعين أن يستلهموا من العقيدة هذا الموقف الإيماني الحاسم ،ليواجهوا كل الضغوط وكل التهاويل المحيطة بهم ،بالارتفاع إلى مستوى الثقة بالله الذي تكفّل لعباده بالرزق من حيث لا يحتسبون ،من خزائن رزقه التي لا تنفد ولا تضيق عن سؤال أحدٍ ولا حاجة أحد .